الغضب : تغير يحصل عند غليان دم القلب بشهوة الانتقام، واعلم أن هذا على الله تعالى محال، لكن ههنا قاعدة كلية، وهي أن جميع الأعراض النفسانية -أعني الرحمة، الفرح، والسرور، والغضب، والحياء، والغيرة، والمكر والخداع، والتكبر، والاستهزاء - لها أوائل، ولها غايات، ومثاله الغضب فإن أوله غليان دم القلب، وغايته إرادة إيصال الضرر إلى المغضوب عليه، فلفظ الغضب في حق الله تعالى لا يحمل على أوله الذي هو غليان دم القلب، بل على غايته الذي هو إرادة الإضرار، وأيضاً، الحياء له أول وهو انكسار يحصل في النفس، وله غرض وهو ترك الفعل، فلفظ الحياء في حق الله يحمل على ترك الفعل لا على انكسار النفس، وهذه قاعدة شريفة في هذا الباب (١). أ هـ
ما الحكمة في أته تعالى جعل المقبولين طائفة واحدة وهم الذين أنعم الله عليهم، والمردودين فريقين : المغضوب عليهم، والضالين ؟
والجواب أن الذين كملت نعم الله عليهم هم الذين جمعوا بين معرفة الحق لذاته والخير لأجل العمل به، فهؤلاء هم المرادون بقوله : أنعمت عليهم، فإن اختل قيد العمل فهم الفسقة وهم المغضوب عليهم كما قال تعالى "ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه" [النساء : ٩٣] وإن اختل قيد العلم فهم الضالون لقوله تعالى :"فماذا بعد الحق إلا الضلال" [يونس : ٣٢] وهذا آخر كلامنا في تفسير كل واحدة من آيات هذه السورة على التفصيل، والله أعلم (٢). أ هـ
( فائدة )
دلت هذه الآية الكريمة على أن المكلفين ثلاث فرق : أهل الطاعة، وإليهم الإشارة بقوله : أنعمت عليهم وأهل المعصية وإليهم الإشارة بقوله غير المغضوب عليهم، وأهل الجهل في دين الله والكفر وإليهم الإشارة بقوله ولا الضالين (٣). أ هـ
(٢) التفسير الكبير حـ١ ص٢٢٤
(٣) التفسير الكبير حـ١ ص٢٢٣