فإن العاقل عند الله - عز وجل - بدلائل الكتاب مستبصر بحبله من كل هلكة معتصم ولربه، بتلاوته في الخلوات مناج لأنه بمناجات نفسه مهتم ففزع إلى فهم كلام الرب - جل وعز - ليحيي به قلبه، وينج وبه من عقابه في يوم يندم فيه الغافلون ويتحسر فيه المبطلون، فكفي بكتاب الله - عز وجل - عن غيب الآخرة مخبراً وببصائره للعوام موضحاً لأن من فهم عن الله - عز وجل - ذاق طعم حلاوته، وخالط فهم لذة مناجاته، إذا عرف من تحاوره، فعقل عن الله - عز وجل - ما به خاطبه، فاتخذ معاذا فسكن إلى الله - عز وجل - وأنس به من كل وحشة، فلم يؤثر شيئاً عليه، فكان للمتقين الماضين قبله في الدنيا خلفا وللآخرين المريدين من بعده سلفاً فتدبر القرآن أيام حياته، فصار الله - جل وعز - به مستفيداً، لأنه الدليل الهادي للعباد قبل نزول المحل وحادي المشتاقين إلى جوار الكريم، فبه نطق الحكماء وبه أنس المنفردون إلى إدمان الفكر في معانيه لا يضل السالك بإتباع دلائله، لأنه النور الذي استضاء به الموقنون، والغاية التي يتسابق إليها المتسابقون، والمنهج الذي لا يصل السالك إلا بإتباع دلائله، ولا يعلم له طريق النجاة إلا من تقرب إلى الله عز وجل برعايته، وحفظ حدوده وصبر لله - عز وجل - على أحكامه، وهو الماحل لمن لم يكن في قلبه منه إلا حفظ حروفه، وفي جوارحه منه إلا تلاوته، وهو القول الذي فصلت آياته، والفرقان الذي يميز بين الحق والأباطيل بشواهد بيناته حكمة بالغة منزلة من حكيم الحكماء، وعليم العلماء، انزله الله - تعالي - دواء للقلوب شافياً، ولمن حرم حرامه وأحل حلاله عن النار عادلاً، ولمن حذر مخاوفه من الادناس، وأهل الخاصة من الله عز وجل الذين اشعروا فهمه قلوبهم، وتدبروا آياته عند تلاوته بألباسهم فتزودوا لبعد سفرهم إلى معادهم، وفهموا من شدة إجهادهم يوم القيامة، ففزعوا وذكروا به السؤال من الله عز وجل فاستعدوا