ذكر الإمام فخر الدين الرازي - رحمه الله - في تفسيره الكبير تسع عشرة لطيفة في الاستعاذة واخترت منها ما يلي :
إن قوله :" أعوذ بالله " اعتراف بعجز النفس وبقدرة الرب وهذا يدل على أنه لا وسيلة إلى القرب من حضرة الله إلا بالعجز والانكسار.
ومنها : الشيطان عد والإنسان كما قال تعالي :" إن الشيطان لكم عد وفاتخذوه عدواً " ﴿فاطر : ٦﴾ والرحمن مولى الإنسان وخالقه ومصلح مهماته ثم إن الإنسان عند شروعه في الطاعات والعبادات خاف العد وفاجتهد في أن يتحرى مرضاة الله مالكه ليخلصه من زحمة ذلك العد ووأقبل بالكلية على خدمة الحبيب، فالمقام الأول هو الفرار وهو قوله :" أعوذ بالله من الشيطان الرجيم} والمقام الثاني وهو الاستقرار في حضرة الملك الجبار فهو قوله :" بسم الله الرحمن الرحيم "
ومنها : قال : أرباب الإشارات : لك عدوان أحدهما ظاهر والآخر باطن وأنت مأمور بمحاربتهما قال تعالي في العد والظاهر :" قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر " ﴿التوبة : ٢٩﴾ وقال في العد والباطن :" إن الشيطان لكم عد وفاتخذوه عدواً " ﴿فاطر : ٦﴾ فكأنه تعالى قال : إذا حاربت عدوك الظاهر كان مددك الملك ﴿بفتح اللام﴾ كما قال تعالى " يمددكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين " ﴿آل عمران : ١٢٥﴾.
وإذا حاربت عدوك الباطن كان مددك الملك ﴿بكسر اللام﴾ كما قال تعالي " إن عبادي ليس لك عليهم سلطان " ﴿الحجر : ٤٢﴾ وأيضاً فمحاربة العد والباطن أولى من محاربة العد والظاهر لأن العد والظاهر إن وجد فرصة ففي متاع الدنيا والعد والباطن إن وجد فرصة ففي الدين واليقين وأيضاً العد والظاهر إن غلبنا كنا مأجورين أما العد والباطن إن غلبنا كنا مفتونين وأيضا من قتله العد والظاهر كان شهيداً ومن قتله العد والباطن كان طريداً فكان الاحتراز من العد والباطن أولى وذلك لا يكون إلا بأن يقول الرجل بقلبه ولسانه " أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ".


الصفحة التالية
Icon