طبقات الحامدين
وتتفاوت طبقات الحامدين في تباينهم في أحوالهم، فطائفة حمدوه على ما نالوا من إنعامه وإكرامه من نوعي صفة نفعة ودفعه، وإزاحته وإتاحته، وما عقلوا من إحسانه بهم أكثره ما عرفوا من أفضاله معهم، قال جل ذكره :" وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها " ﴿إبراهيم : ٣٤﴾. وطائفة حمدوه على ما لاح لقلوبهم من عجائب لطائفه، وأودع سرائرهم من مكنونات بره وكاشف أسرارهم به من خفي غيبه، وأفرد أرواحهم به من بواده مواجده، وقوم حمدوه عند شهود ما كاشفهم به من صفات القدم، ولم يردوا من ملاحظة العز والكرم إلى تصفح أقسام النعم، وتأمل خصائص القسم، وفرق بين من يمدحه بعز جلاله وبين من يشكره على وجوب أفضاله كما قال قائلهم :
وما الفرق عن أرض العشيرة ساقنا … ولكننا جئنا بلقياك نسعد(١) أ هـ
لطيفة
قوله :" الحمد لله " ثمانية أحرف وأبواب الجنة ثمانية، فمن قال هذه الثمانية عن صفاء قلبه استحق ثمانية أبواب الجنة (٢). أهـ
فإن قيل لماذا كان التعبير بقوله :" الحمد لله " ولم يكن بـ ﴿أحمد الله﴾ ؟
الجواب : لو قال أحمد الله أفاد ذلك كون ذلك القائل قادراً على حمده أما لما قال :" الحمد لله " فقد أفاد ذلك أنه كان محموداً قبل حمد الحامدين وقبل شكر الشاكرين فهؤلاء سواء حمدوا أو لم يحمدوا وسواء شكروا أو لم يشكروا فهو تعالي محمود منذ الأزل إلى الأبد لحمده القديم وكلامه القديم وأيضا لو قال " أحمد الله " لكان قد حمد لكن لا حمداً يليق به، وأما إذا قال الحمد لله فكأنه قال : من أنا حتى أحمده لكنه محمود بجميع حمد الحامدين(٣). أهـ
(٢) - التفسير الكبير - حـ١ - صـ١٩٢
(٣) - التفسير الكبير - حـ١ - صـ ١٩١، بتصرف يسير