لطيفة
إن السياسات على أربعة أقسام : سياسة الملاك، وسياسة الملوك، وسياسة الملائكة، وسياسة ملك الملوك : فسياسة ملك الملوك أقوى من سياسة الملاك، لأنه لو اجتمع عالم من المالكين فإنهم لا يقاومون ملكاً واحداً، ألا ترى أن السيد لا يملك إقامة الحد على مملوكه عند أبي حنيفة وأجمعوا على أن الملك يملك إقامة الحدود على الناس، وأما سياسة الملائكة فهي فوق سياسات الملوك، لأن عالماً من أكابر الملوك لا يمكنهم دفع سياسة ملك واحد، وأما سياسة ملك الملوك فإنها فوق سياسات الملائكة، ألا ترى إلى قوله تعالى :" يوم يقوم الروح والملائكة صفاً لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا" [النبأ : ٣٨] وقوله تعالى :" من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه" [البقرة : ٢٥٥] وقال في صفة الملائكة :" ولا يشفعون إلا لمن ارتضى " [الأنبياء : ٢٨] فيا أيها الملوك لا تغتروا بما لكم من المال والملك فإنكم أسراء في قبضة قدرة مالك يوم الدين ويا أيها الرعية إذا كنتم تخافون سياسة الملك أفما تخافون سياسة ملك الملوك الذي هو مالك يوم الدين.
من أحكام كونه تعالى ملكاً أنه ملك لا يشبه سائر الملوك لأنهم إن تصدقوا بشيء انتقص ملكهم، وقلت خزائنهم، أما الحق سبحانه وتعالى فملكه لا ينقص بالعطاء والإحسان، بل يزداد، بيانه أنه تعالى إذا أعطاك ولداً واحداً لم يتوجه حكمه إلا على ذلك الولد الواحد، أما لو أعطاك عشرة من الأولاد وكان حكمه وتكليفه لازماً على الكل، فثبت أنه تعالى كلما كان أكثر عطاء كان أوسع ملكاً.