وما وجب قدمه استحال عدمه وما وجب وجوده امتنع عدمه فإن القديم لا يكون قديما إلا لوجوبه بنفسه أو لكونه لازما للواجب بنفسه إذ لو لم يكن لازما له بل كان غير لازم له لم يكن قديما بقدمه والواجب بنفسه يمتنع عدمه ولازمه لا يعدم إلا بعدمه فإنه يلزم من انتفاء اللازم انتفاء الملزوم
الوجه الثالث : أن يقال الناس لهم في كلام الله عز وجل عدة أقوال وقول النصارى باطل على جميع الأقوال التي قالها الناس في كلام الله فثبت بطلانه على كل تقدير وذلك أن كلام الله سبحانه إما أن يكون صفة له قائما به وإما أن يكون مخلوقا له بائنا عنه وإما أن يكون لا هذا ولا هذا بل هو ما يوجد في النفوس وهذا الثالث هو أبعد الأقوال عن أقوال الأنبياء وهو قول من يقول من الفلاسفة والصابئة إن الرب لا تقوم به الصفات وليس هو خالقا باختياره
ويقولون مع ذلك إنه ليس عالما بالجزئيات ولا قادرا على تغيير الأفلاك بل كلامه عندهم ما يفيض على النفوس وربما سموه كلاما بلسان الحال
وهؤلاء ينفون الكلام عن الله ويقولون ليس بمتكلم وقد يقولون متكلم مجازا لكن لما نطقت به الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أطلقه من دخل في الملل منهم ثم فسره بمثل هذا وهذا أحد قولي الجهمية
والقول الثاني : أنه متكلم حقيقة لكن كلامه مخلوق خلقه في غيره وهو قول المعتزلة وغيرهم والقول الآخر للجهمية
وعلى هذين القولين فليس لله كلام قائم به حتى يتحد بالمسيح أو يحل به والمخلوق عرض من الأعراض ليس بإله خالق وكثير من أهل الكتاب اليهود والنصارى من يقول بهذا وهذا
وأما القول الأول : وهو قول سلف الأئمة وأئمتها وجمهورها وقول كثير من سلف أهل الكتاب وجمهورهم فإما أن يقال الكلام قديم النوع بمعنى أنه لم يزل يتكلم بمشيئته أو قديم العين وإما أن يقال ليس بقديم بل هو حادث والأول هو القول المعروف عن أئمة السنة والحديث


الصفحة التالية
Icon