وأما المسيح عليه السلام فخلق جسده خلقا إبداعيا بنفس نفخ روح القدس في أمه قيل له كن فكان فكان له من الاختصاص بكونه خلق بكلمة الله ما لم يكن لغيره من البشر ومن الأمر المعتاد في لغة العرب وغيرهم أن الاسم العام إذا كان له نوعان خصت أحد النوعين باسم وأبقت الاسم العام مختصا بالنوع كلفظ الدابة والحيوان فإنه عام في كل ما يدب وكل حيوان ثم لما كان للآدمي اسم يخصه
بقي لفظ الحيوان يختص به البهيم ولفظ الدابة يختص به الخيل أو هي والبغال والحمير ونحو ذلك وكذلك لفظ الجائز والممكن وذوي الأرحام وأمثال ذلك فلما كان لغير المسيح ما يختص به أبقي اسم الكلمة العامة مختصا بالمسيح
الطريق الثاني أن ما ذكروه حجة عليهم فإن الله إذا لم يكلم أحد من الأنبياء إلا وحيا أو من وراء حجاب فالمسيح عيسى بن مريم يجب أن لا يكلمه إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل إليه رسولا
وقوله تعالى
﴿وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب﴾
يعم كل بشر المسيح وغيره
وإذا امتنع أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب فامتناع أن يتحد به أو يحل فيه أولى وأحرى
فإن ما اتحد به وحل فيه كلمة الله من غير حجاب بين اللاهوت والناسوت وهم قد سلموا أن الله لا يكلم بشرا إلا من وراء حجاب
الوجه الثالث أن قوله
﴿وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب﴾
يقتضي أن يكون الحجاب حجابا يحجب البشر كما حجب موسى فيقتضي ذلك أنهم لا يرونه في الدنيا وإن كلمهم كما أنه كلم موسى ولم يره موسى بل سأل الرؤية فقال
﴿قال رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين﴾
قيل أنا أول من آمن أنه لا يراك أحد في الدنيا وعندهم في التوراة أن الإنسان لا يمكنه أن يرى الله في الدنيا فيعيش