ويجوز أن يكون معنى خير الماكرين : أنّ الإملاء والاستدراج، الذي يقدّره للفجّار والجبابرة والمنافقين، الشبيه بالمَكر في أنّه حَسَن الظاهر سَيّء العاقبة، هو خير محض لا يترتّب عليه إلاّ الصلاح العام، وإن كان يؤذي شخصاً أو أشخاصاً، فهو من هذه الجهة مجرّد عما في المكر من القُبح، ولذلك كانت أفعاله تعالى منزّهة عن الوصف بالقبح أو الشناعة، لأنها لا تقارنها الأحوال التي بها تقبح بعض أفعال العباد ؛ من دلالة على سفاهة رَأي، أو سوء طوية، أو جُبن، أو ضُعف، أو طَمع، أو نحو ذلك.
أي فإن كان في المكر قبْح فمكر الله خير محض، ولك على هذا الوجه أن تجعل "خَيْر" بمعنى التفضيل وبدونه. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٣ صـ ١٠٦﴾
وقال ابن عطية :
المكر في اللغة، السعي على الإنسان دون أن يظهر له ذلك، بل أن يبطن الماكر ضد ما يبدي، وقوله ﴿ والله خير الماكرين ﴾ معناه في أنه فاعل في حق في ذلك، والماكر من البشر فاعل باطل ففي الأغلب، لأنه في الأباطيل يحتاج إلى التحيل، والله سبحانه أشد بطشاً وأنفذ إرادة، فهو خير من جهات لا تحصى، لا إله إلا هو. أ هـ ﴿المحرر الوجيز حـ ١ صـ ٤٤٣﴾
وقال الثعالبى :
﴿ وَمَكَرُواْ ﴾، يريدُ في تحيُّلهم في قتله بزعمهم فهذا هو مَكْرُهُمْ، فجازاهم اللَّه تعالى ؛ بأنْ طرح شَبَهَ عيسى على أحد الحواريِّين ؛ في قول الجمهور، أو على يهوديٍّ منهم كَانَ جَاسُوساً، وأعقبَ بَنِي إسرائيل مذلَّةً وهَوَاناً في الدُّنيا والآخرة، فهذه العُقُوبة هي التي سَمَّاها اللَّه تعالى مَكْراً في قوله :﴿ وَمَكَرَ الله ﴾، وذلك مَهْيَعٌ أنْ تسمَّى العقوبةُ باسم الذنب.