ورَدَّ عليه أبو حيان هذا من جهة تخالفهما تعريفاً وتنكيراً، فقال : وقوله مخالف لإجماع البصريين والكوفيين، فلا يلتفت إليه، وحُكْم عطف البيان عند الكوفيين حكم النعت، فيُتْبعون النكرة نكرة، والمعرفة معرفة، ويتبعهم في ذلك أبو علي الفارسي. وأما البصريون، فلا يجوز - عندهم - إلا أن يكونا معرفتين، ولا يجوز أن يكونا نكرتين، وكل شيء أورده الكوفيون مما يُوهِم جوازَ كونه عطفَ بيان جعله البصريون بَدَلاً، ولم يَقُمْ دليل للكوفيين ؛ وستأتي هذه المسألة إن شاء الله - عند قوله :﴿مِن مَّآءٍ صَدِيدٍ﴾ [ إبراهيم : ١٦ ] وقوله :﴿مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ﴾ [ النور : ٣٥ ]، ولما أوّل الزمخشريُّ مقام إبراهيم وأمن داخله - بالتأويل المذكور - اعترض على نفسه بما ذكرناه من إبدال غير الجمع من الجمع - وأجاب بما تقدم، واعترض - أيضاً - على نفسه بأنه كيف تكون الجملة عطف بيان للأسماء المفردةِ ؟ فقال :" فإن قلتَ : كيف أجَزْت أن يكون مقام إبراهيم والأمن عطف بيان للآيات. وقوله :﴿وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً﴾ جملة مستأنفة، إما ابتدائية وإما شرطية ؟
قلت : أجَزْت ذلك من حيث المعنى ؛ لأن قوله :﴿وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً﴾ دل على أمْن مَنْ دخله، وكأنه قيل : فيه آيات بيِّنات مقام إبراهيم وأمن من دخله، ألا ترى أنك لو قلت : فيه آية بينة، مَنْ دخله كان آمناً صَحَّ ؛ لأن المعنى : فيه آية بينة أمن مَنْ دخله ".