قال علي رضي الله عنه كان قبل البيت بيوت كثيرة ولا شك أن الكعبة بناها إبراهيم وقد تعدد في القرآن ذكر ذلك، ولو كانت من بناء الأنبياء قبله لزيد ذكر ذلك زيادة في التنويه بشأنها، وإذا كان كذلك فلا يجوز أن يكون أول بناء وقع في الأرض كان في عهد إبراهيم، لأن قبل إبراهيم أمما وعصورا كان فيها البناء، وأشهر ذلك برج بابل، بنى إثر الطوفان، وما بناه المصريون قبل عهد إبراهيم، وما بناه الكلدان في بلد إبراهيم قبل رحلته إلى مصر، ومن ذلك بيت أصنامهم، وذلك قبل أن تصير إليه هاجر التي أهداها له ملك مصر، وقد حكى القرآن عنهم ﴿قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَاناً فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ﴾ [الصافات : ٩٧] فتعين تأويل الآية بوجه ظاهر، وقد سلك العلماء مسالك فيه : وهي راجعة إلى تأويل الأول، أو تأويل البيت، أو تأويل فعل وضع، أو تأويل الناس، أو تأويل نظم الآية.
والذي أراه في التأويل أن القرآن كتاب دين وهدى، فليس غرض الكلام فيه ضبط أوائل التاريخ، ولكن أوائل أسباب الهدى، فالأولية في الآية على بابها، والبيت كذلك، والمعنى أنه أول بيت عبادة حقة وضع لإعلان التوحيد، بقرينة المقام، وبقرينة قوله :﴿وُضِعَ لِلنَّاسِ﴾ المقتضي أنه من وضع واضع لمصلحة الناس، لأنه لو كان بيت سكنى لقيل وضعه الناس، وبقرينة مجيء الحالين بعد ؛ وهما قوله :﴿مُبَارَكاً وَهُدىً لِلْعَالَمِينَ﴾.


الصفحة التالية
Icon