فصل


قال ابن عادل :
قوله :﴿مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً﴾ فيه ستة أوجُه :
أحدها : أن " مَنْ " بدل من " النَّاس " بدل بعض من كل، وبدل البعض وبدل الاشتمال لا بد في كل منهما من ضميرٍ يعود على المُبْدَل منه، نحو : أكَلْتُ الرَّغِيفَ ثُلُثَه، وسُلِب زيدٌ ثوبُه، وهنا ليس من ضمير. فقيل : هو محذوف تقديره من استطاع منهم.
الثاني : أنه بدلُ كُلٍّ من كُلٍّ، إذ المراد بالناس المذكورين : خاصٌّ، والفرق بين هذا الوجه، والذي قبله، أن الذي قبله يقال فيه : عام مخصوص، وهذا يقال فيه : عامٌّ أريد به الخاص، وهو فرق واضح وهاتان العبارتان للشافعي.
الثالث : أنها خبر مبتدأ مُضْمَر، تقديره : هم من استطاع.
الرابع : أنها منصوبة بإضمار فعل، أي : أعني من استطاع. وهذان الوجهان - في الحقيقة - مأخوذان من وجه البدل ؛ فإنَّ كل ما جاز إبداله مما قبله، جاز قطعه إلى الرفع، أو إلى النصب المذكورين آنفاً. الخامس : أن " مَنْ " فاعل بالمصدر وهو " حَدُّ "، والمصدر مضاف لمفعوله، والتقدير : ولله على الناس أن يحج من استطاع منهم سبيلاً البيت.
وهذا الوجه قد رَدَّه جماعةٌ من حيث الصناعة، ومن حيث المعنى ؛ أما من حيث الصناعة ؛ فلأنه إذا اجتمع فاعل ومفعول مع المصدر العامل فيهما، فإنما يُضَاف المصدر لمرفوعه - دون منصوبة - فيقال : يعجبني ضَرْبُ زيدٍ عمراً، ولو قلتَ : ضَرْبُ عمرٍو زيدٌ، لم يجزْ إلا في ضرورة، كقوله :[ البسيط ]
أفْتَى تِلاَدِي وَمَا جَمَّعْتُ مِنْ نَشَبٍ... قَرْعُ الْقَوَاقِيزِ أفْوَاهُ الأبَارِيقِ


الصفحة التالية
Icon