أرى أن شَفا حفرة النَّار هنا تمثيل لحالهم في الجاهلية حين كانوا على وشك الهلاك والتَّفاني الَّذي عبَّر عنه زهير بقوله :
تفانَوا ودَقُّوا بينَهم عِطْر مَنْشَم...
بحال قوم بلغ بهم المشي إلى شفا حفير من النَّار كالأُخدُود فليس بينهم وبين الهلاك السَّريع التَّام إلا خطوة قصيرة، واختيار الحالة المشبَّه بها هنا لأن النَّار أشدّ المهلكات إهلاكاً، وأسرعُها، وهذا هو المناسب في حمل الآية ليكون الامتنان بنعمتين محسوستين هما : نعمة الأخوة بعد العداوة، ونعمة السلامة بعد الخطر، كما قال أبو الطيب :
نَجاة من البأساءِ بعدَ وقوع...
والإنقاذ من حالتين شنيعتين.
وقال جمهور المفسرين : أراد نار جهنَّم.
وعلى قولهم هذا يكون قوله :﴿شفا حفرة﴾ مستعاراً للاقتراب استعارة المحسوس للمعقول.
والنَّارُ حقيقة، ويبعد هذا المحمل قوله تعالى :﴿حفرة﴾ إذ ليست جهنّم حفرة بل هي عالم عظيم للعذاب.
وورد في الحديث " فإذا هي مطوية كطي البئر وإذا لها قرنان " لكن ذلك رؤيا جاءت على وجه التمثيل وإلا فهي لا يحيط بها النّظر.
ويكون الامتنان على هذا امتناناً عليهم بالإيمان بعد الكفر وهم ليقينهم بدخول الكفرة النَّارَ علموا أنَّهم كانوا على شفاها.
وقيل : أراد نار الحرب وهو بعيد جداً لأنّ نار الحرب لا توقد في حُفرة بل توقد في العلياء ليراها من كان بعيداً كما قال الحارث :
وبعينيك أوقدَتْ هند النَّارَ...
عِشاء تُلْوي بها العَليَاء
فتنورتَ نَارها من بعيد...
بخَزَازَى أيَّان منك الصِلاء
ولأنهم كانوا ملابسين لها ولم يكونوا على مقاربتها.
والضّمير في ﴿منها﴾ للنَّار على التَّقادير الثَّلاثة.
ويجوز على التَّقدير الأول أن يكون لشَفا حفرة وعاد عليه بالتأنيث لاكتسابه التَّأنيث من المضاف إليه كقول الأعشى :