قال الزَّمَخْشَرِيُّ : ويجوز أن يكون الضمير في ﴿ فَأَثَابَكُمْ ﴾ للرسول أي : فآساكم من الاغتمام، وكما غمكم ما نزل به من كسر رباعيته غمه ما نزل بكم من فوت الغنيمة.
و " غماً " مفعول ثانٍ.
وقوله :﴿ فَأَثَابَكُمْ ﴾ هل هو حقيقة أو مجاز فقيل : مجاز كأنه جعل الغم قائماً مقام الثواب الَّذِي كان يحصل لولا الفرارُ فهو كقوله :[ الطويل ]
أخَافُ زِيَاداً أنْ يَكُونَ عَطَاؤُهُ... أدَاهِم سُوداً أوْ مُحَدْرَجَة سُمْرَا
وقول الآخر :
تحية بينهم ضرب وجميع... جعل القيود والسياط بمنزلة العطاء، والضرب بمنزلة التحية.
وقال الفرّاءُ :" الإثابة - هاهنا - بمعنى المعاقبة " وهو يرجع إلى المجاز ؛ لأن الإثابة أصلها في الحسنات.
قوله :﴿ بِغَمٍّ ﴾ يجوز في الباء أوجهٌ :
أحدها : أن تكون للسببيةِ، على معنى أن متعلِّق الغَمْ الأول الصحابة، ومتعلق الغَمِّ الثاني قيل المشركين يوم بدرٍ.
قال الحَسَنُ : يريد غَم يوم أحدٍ للمسلمين بغمّ يوم بدرٍ للمشركينَ، والمعنى : فأثابكم غماً بالغم الذي أوقعه على أيديكم بالكفار يوم بدرٍ.
وقيل متعلَّق الغَمِّ الرسول، والمعنى : أذاقكم الله غمًّا بسبب الغَمِّ الذي أدخلتموه على الرسول والمؤمنين بفشلكم ومخالفتكم أمره، أو فأثابكم الرسول غماً بسبب غفم اغتممتموه لأجله، والمعنى أن الصحابة لما رأوا النبي ﷺ شُجَّ وكُسِرت رَبَاعِيَتُه، وقُتِل عَمه، اغتممتموه لأجله، والنبيُّ ﷺ لما رآهم قَد عَصَوْا رَبَّهُم لأجل الغنيمة - ثم بَقَوْا محرومينَ من الغنيمةِ - وقتِلَ أقاربُهم، اغتم لأجلهم.