وكان مصعب بن عمير يَذُبُّ عن رسول الله ﷺ حتى قُتِلَ دونه، ثم قاد زياد بن السكن فقاتل بين يدي رسول الله ﷺ حتى قُتِلَ، وخلص الحرب إلى رسول الله ﷺ، وقذف بالحجارة حتى وقع بشفتيه، وأصيبت رباعيَتُه، وكُلِمَتْ شفته، وأدمي ساقه.
فقال سفيان بن عيينة : لقد أصيب مع رسول الله ﷺ نحو ثلاثين رجلاً، كلهم جثوا بين يديه.
أو قال : كلهم يتقدم بين يديه.
ثم يقول : وجهي لوجهك الوفاء، ونفسي لنفسك الفداء، وعليك سلام الله غير مودع.
فرجع الذي قتل مصعب بن عمير، فظن أنه قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقال للمشركين : قتلت محمداً.
فصرخ صارخ : ألا إن محمداً قد قُتل.
ويقال : كان ذلك إبليس لعنه الله، فولى المسلمون هاربين متحيّرين، وجاء إبليس لعنه الله ونادى بأعلى صوته في المدينة : ألا إن محمداً قد قتل وأَخَذَت النسوة في البكاء في البيوت، فأقبل أَنَس بن النضر عم أنس بن مالك إلى عمر بن الخطاب، وطلحة بن عبيد الله في رِجَالٍ من المهاجرين والأنصار، فقال : ما يُجْلسكم ؟ قالوا : قتل محمد.
فقال : ما تصنعون بالحياة بعده ؟ موتوا كراماً على ما مات عليه نبيُّكم.
ثم أقبل نحو العدو، فقاتل حتى قتل.
قال كعب بن مالك : فأوّل من كنت عرفت رسول الله ﷺ من المسلمين، عرفت عينيه من تحت المغفر تزهران، فناديت بأعلى صوتي : يا معشر المسلمين أبشروا، هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فأشار إليَّ أَن اسكت.
وقال أنس بن مالك : قد شجّ وجه رسول الله ﷺ، فجعل الدم يسيل على وجهه وهو يمسح الدم ويقول :" كَيْفَ يُفْلِحُ قَوْمٌ خَضَّبُوا وَجْهَ رَسُولِ الله ﷺ بِالدَّمِ " وهو يدعوهم إلى ربهم.