وقال ابن عاشور :
وجملة ﴿ إنهم لن يضروا الله شيئاً ﴾ تعليل للنهي عن أن يحزنه تسارعهم الى الكفر بعلّة يوقن بها الرسول عليه الصلاة والسلام.
وموقع إنّ في مثل هذا المقام إفادة التعليل، وإنّ تُغني غناء فاء التسبّب، كما تقدّم غير مرّة.
ونفي ﴿ لن يضروا الله ﴾ مراد به نفي أن يعطّلوا ما أراده إذ قد كان الله وعد الرسول إظهار دينه على الدّين كلّه، وكان سعي المنافقين في تعطيل ذلك، نهي الله رسوله أن يحزن لما يبدو له من اشتداد المنافقين في معاكسة الدعوة، وبيّن له أنّهم لن يستطيعوا إبطال مراد الله، تذكيراً له بأنه وعده بأنّه متمّ نوره.
ووجه الحاجة إلى هذا النهي : هو أنّ نفس الرسول، وإن بلغت مرتقى الكمال، لا تعدو أن تعتريها في بعض أوقات الشدّة أحوال النفوس البشرية : من تأثير مظاهر الأسباب، وتوقّع حصول المسبّبات العادية عندها، كما وقع للرسول ﷺ يوم بدر.
وهو في العريش، وإذا انتفى إضرارهم الله انتفى إضرارهم المؤمنين فيما وعدهم الله. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٣ صـ ٢٨٩﴾
وقال القرطبى :
﴿ إِنَّهُمْ لَن يَضُرُّواْ الله شَيْئاً ﴾ أي لا ينقصون من مَلْك الله وسلطانه شيئاً ؛ يعني لا ينقص بكفرهم.
وكما رُوي عن أبي ذَرٍّ " عن النبيّ ﷺ فيما رَوى عن الله تبارك وتعالى أنه قال :"يا عبادِي إني حرّمت الظُّلَم على نفسي وجعلته بينكم مُحرَّماً فلا تَظَالَموا.
يا عبادِي كلُّكم ضالٌّ إلاَّ من هَدَيْتُه فاستهدوني أهْدِكم.
يا عبادي كلُّكم جائعٌ إلاَّ من أطعمته فاستطعمُوني أُطْعِمْكم.
يا عبادي كلكم عارٍ إلاَّ من كَسْوتُه فاسْتكْسُوني أَكْسُكم.
يا عبادي إنكم تُخطِئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعاً فاستغفروني أغفر لكم.