ويجوز أن يراد بالإملاء التخلية بينهم وبين أعمالهم في كيد المسلمين وحربهم وعدم الأخذ على أيديهم بالهزيمة والقتل كما كان يوم بدر، يقال : أملى لفرسه إذا أرخى له الطِّوَل في المرعى، وهو مأخوذ من الملْو بالواو وهو سيرُ البعير الشديدُ، ثم قالوا : أمليت للبعير والفرس إذا وسَّعت له في القيد لأنّه يتمكّن بذلك من الخَبَب والركض، فشُبِّه فعله بشدّة السير، وقالوا : أمليت لزيد في غيّه أى تركته : على وجه الاستعارة، وأملى الله لفلان أخّر عقابه، قال تعالى :﴿ وأملي لهم إن كيدي متين ﴾ [ الأعراف : ١٨٣ ] واستعير التملّي لطول المدّة تشبيهاً للمعقول بالمحسوس فقالوا : ملأَّك الله حبيبَك تمليئة، أي أطال عمرك معه. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٣ صـ ٢٩٠ ـ ٢٩١﴾

فصل


قال القرطبى :
المعنى : لا يحسبن هؤلاء الذين يُخَوّفون المسلمين ؛ فإن الله قادر على إهلاكهم.
وإنما يُطوِّل أعمارهم ليعملوا بالمعاصي، لا لأنه خير لهم.
ويُقال :"أنما نملِي لهم" بما أصابوا من الظَّفَر يومَ أُحُد لم يكن ذلك خيراً لأنفسهم ؛ وإنما كان ذلك ليزدادوا عقوبة.
ورُوي عن ابن مسعود أنه قال : ما من أحد بَرّ ولا فاجر إلاَّ والموتُ خير له، لأنه إِنْ كان بَرّاً فقد قال الله تعالى :﴿ وَمَا عِندَ الله خَيْرٌ لِّلأَبْرَارِ ﴾ وإن كان فاجراً فقد قال الله :﴿ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ ليزدادوا إِثْمَاً ﴾. أ هـ ﴿تفسير القرطبى حـ ٤ صـ ٢٨٦ ـ ٢٨٧﴾
فائدة
قال أبو حيان :
قال الزمخشرى :
( فإن قلت ) : كيف جاز أن يكون ازدياد الإثم غرضاً لله تعالى في إملائه لهم ؟ ( قلت ) : هو علة الإملاء، وما كلّ علة بغرض.
ألا تراك تقول : قعدت عن الغزو للعجز والفاقة، وخرجت من البلد لمخافة الشرّ، وليس شيء منها بغرض لك، وإنما هي علل وأسباب.


الصفحة التالية
Icon