وأما الوجه الثاني : فقد قالوا : ليس المراد من الآية أن الغرض من الاملاء إقدامهم على الكفر والفسق بدليل قوله تعالى :﴿وَمَا خَلَقْتُ الجن والإنس إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ﴾ [ الذاريات : ٥٦ ] وقوله :﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ الله﴾ [ النساء : ٦٤ ] بل الآية تحتمل وجوها من التأويل : أحدها : أن تحمل هذه اللام على لام العاقبة كقوله تعالى :﴿فالتقطه ءَالُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً﴾ [ القصص : ٨ ] وقوله :﴿وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ﴾ [ الأعراف : ١٧٩ ] وقوله :﴿وَجَعَلُواْ للَّهِ أَندَادًا لّيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِهِ﴾ [ إبراهيم : ٣٠ ] وهم ما فعلوا ذلك لطلب الإضلال، بل لطلب الاهتداء، ويقال : ما كانت موعظتي لك إلا لزيادة في تماديك في الفسق إذا كانت عاقبة الموعظة ذلك، وثانيها : أن يكون الكلام على التقديم والتأخير، والتقدير : ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم ليزدادوا إثما إنما نملي لهم خير لأنفسهم وثالثها : أنه تعالى لما أمهلهم مع علمه بأنهم لا يزدادون عند هذا الامهال إلا تماديا في الغي والطغيان، أشبه هذا حال من فعل الاملاء لهذا الغرض والمشابهة أحد أسباب حسن المجاز.


الصفحة التالية
Icon