وأما السؤال الثالث : وهو حمل اللام على لام العاقبة فهو عدول عن الظاهر، وأيضاً فإن البرهان العقلي يبطله ؛ لأنه تعالى لما علم أنهم لا بد وأن يصيروا موصوفين بازدياد الغي والطغيان، كان ذلك واجب الحصول لأن حصول معلوم الله واجب، وعدم حصوله محال، وإرادة المحال محال، فيمتنع أن يريد منهم الإيمان، ويجب أن يريد منهم ازدياد الغي والطغيان، وحينئذ ثبت أن المقصود هو التعليل وأنه لا يجوز المصير إلى لام العاقبة.
وأما السؤال الرابع : وهو التقديم والتأخير.
فالجواب عنه من ثلاثة أوجه : أحدها : أن التقديم والتأخير ترك للظاهر.
وثانيها : قال الواحدي رحمه الله : هذا إنما يحسن لو جازت قراءة ﴿أَنَّمَا نُمْلِى لَهُمْ خَيْرٌ لأنفُسِهِمْ﴾ بكسر "إنما" وقراءة ﴿إِنَّمَا نُمْلِى لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْمَاً﴾ بالفتح.
ولم توجد هذه القراءة ألبتة.
وثالثها : أنا بينا بالبرهان القاطع العقلي أنه يجب أن يكون مراد الله من هذا الإملاء حصول الطغيان لا حصول الإيمان، فالقول بالتقديم والتأخير ترك للظاهر والتزام لما هو على خلاف البرهان القاطع.
وأما السؤال الخامس : وهو قوله : هذه اللام لا يمكن حملها على التعليل.
فجوابه أن عندنا يمتنع تعليل أفعال الله لغرض يصدر من العباد، فأما أن يفعل تعالى فعلا ليحصل منه شيء آخر فهذا غير ممتنع، وأيضاً قوله :﴿إِنَّمَا نُمْلِى لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْمَاً﴾ تنصيص على أنه ليس المقصود من هذا الاملاء إيصال الخير لهم والاحسان إليهم، والقوم لا يقولون بذلك، فتصير الآية حجة عليهم من هذا الوجه.
وأما السؤال السادس : وهو المعارضة بفعل الله تعالى.
فالجواب : أن تأثير قدرة الله في إيجاد المحدثات متقدم على تعلق علمه بعدمه، فلم يمكن أن يكون العلم مانعاً عن القدرة.