وإنما جاز أن تكون " أن " المفتوحة مبتدأ بها أول الكلام ؛ لأن مذهبَ الأخفش ذلك، وغيره يمنع ذلك، فإن تقدم خبرها عليها - نحو : ظني أنك منطلق، أو " أما " التفصيلية، نحو أما أنك منطلق فعندي، جاز ذلك إجماعاً. وقول أبي حاتم : يذكر فتح " أن " يعني بها التي في قوله :" أنما نملي لهم خير ". ووجه تمسُّك القدرية أن الله تعالى لا يجوز أن يُمْلِي لهم إلا ما هو خير لأنفسهم، لأنه يجب - عندهم - رعاية الأصلح.
السادس : قال المهدويّ : وقال قوم : قدم " الذين كفروا " توكيداً، ثم حالهم، من قوله :" أنما نملي لهم " رداً عليهم، والتقديرُ : ولا تحسبن أن إملاءنا للذين كفروا خيرٌ لأنفسهم.
وأما قراءة يحيى - بكسر " إنَّما " مع الغيبة - فلا تخلو إما أن يُجْعَلَ الفعلُ مسنداً إلى " الذين " أو إلى ضميرٍ غائبٍ، فإن كانت الأولى كانت " أنما " وما في حيِّزها معلقة لـ " تحسبن " وإن لم تكن اللام في خبرها لفظاً، فهي مقدرة، فيكون " إنّما " - بالكسر - في موضع نَصْبٍ ؛ لأنها معلقة لفعل الحسبان من نية اللام، ونظير ذلك تعليق أفعال القلوبِ عن المفعولينِ الصريحين - بتقدير لام الابتداء - في قوله [ البسيط ] :
كَذَاكَ أدَّبتُ حَتَّى صَارَ مِنْ خُلُقِي... أَنِّي وَجَدْتُ مِلاَكُ الشَّيْمَةِ الأدَبُ
فلولا تقدير اللاتم لوجب نصب " ملاك " و" الأدب ". وكذلك في الآية لولا تقدير اللام لوجب فتح " إنما ".
ويجوز أن يكون المفعول الأول قد حُذِف - وهو ضمير الأمرِ والشأنِ - وقد قيل بذلك في البيت، وهو الأحسنُ فيه.
والأصلُ : لا تحسبنه - أي الأمر - و" إنما نملي لهم " في موضع المفعول الثاني، وهي المفسرة للضمير وإن كان الثاني كان " الذين " مفعولاً أول، و" أنما نملي " في موضع المفعول الثاني.


الصفحة التالية
Icon