فصل
قال الفخر :
اعلم أن هذه الآية من بقية الكلام في قصة أحد، فأخبر تعالى أن الأحوال التي وقعت في تلك الحادثة من القتل والهزيمة، ثم دعاء النبي ﷺ اياهم مع ما كان بهم من الجراحات إلى الخروج لطلب العدو، ثم دعائه اياهم مرة أخرى إلى بدر الصغرى لموعد أبي سفيان، فأخبر تعالى أن كل هذه الأحوال صار دليلا على امتياز المؤمن من المنافق، لأن المنافقين خافوا ورجعوا وشمتوا بكثرة القتلى منكم، ثم ثبطوا وزهدوا المؤمنين عن العود إلى الجهاد، فأخبر سبحانه وتعالى أنه لا يجوز في حكمته أن يذركم على ما أنتم عليه من اختلاط المنافقين بكم وإظهارهم أنهم منكم ومن أهل الإيمان بل كان يجب في حكمته إلقاء هذه الحوادث والوقائع حتى يحصل هذا الامتياز، فهذا وجه النظم. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٩ صـ ٨٩ ـ ٩٠﴾
وقال الآلوسى :
﴿ مَّا كَانَ الله لِيَذَرَ المؤمنين على مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ ﴾ كلام مستأنف مسوق لوعد المؤمنين ووعيد المنافقين بالعقوبة الدنيوية وهي الفضيحة والخزي إثر بيان عقوبتهم الأخروية، وقدم بيان ذلك لأنه أمس بالإملاء لازدياد الآثام، وفي هذا الوعد والوعيد أيضاً ما لا يخفى من التسلية له ﷺ كما في الكلام السابق، وقيل : الآية مسوقة لبيان الحكمة في إملائه تعالى للكفرة إثر بيان شريته لهم، ولا يخفى أنه بعيد فضلاً عن كونه أقرب، والمراد من المؤمنين المخلصون والخطاب على ما يقتضيه الذوق لعامة المخلصين والمنافقين ففيه التفات في ضمن التلوين، والمراد بما هم عليه اختلاط بعضهم ببعض واستواؤهم في إجراء أحكام الإسلام عليهم، وإلى هذا جنح المحققون من أهل التفسير، وقال أكثرهم : إن الخطاب للمنافقين ليس إلا ففيه تلوين فقط، وذهب أكثر أهل المعاني إلى أنه للمؤمنين خاصة ففيه تلوين والتفات أيضاً.