الثاني : قول الكوفيين - أن اللامَ زائدةٌ لتأكيدِ النفي، وأن الفعل بعدها هو خبرُ كانَ واللامُ عندهم هي العاملةُ النصْبَ في الفعل بنفسها، لا بإضمار " أن " والتقدير عندهم : ما كان الله ليذرَ المؤمنين.
وضعَّف أبو البقاء مذهبَ الكوفيين بأنّ النصب قد وُجِد بعد هذه اللامِ، فإن كان النصبُ بها نفسها فليست زائدةً، وإن كان النصبُ بإضمار " أن " فسَد من جهة المعنى لأن " أن " وما في حيزها بتأويل مصدر، والخبر في باب " كان " هو الاسم في المعنى، فيلزم أن يكون المصدر - الذي هو معنى من المعاني - صادقاً على اسمها، وهو مُحَالٌ.
وجوابه : أما قوله : إن كان النصبُ بها فليست زائدةً ممنوع ؛ لأن العملَ لا يمنع الزيادةَ، ألا ترى انَّ حروف الجَرِّ تُزاد، وهي عاملة وكذلك " أن " عند الأخفشِ، و" كان " في قول الشاعر :[ الوافر ]
............................ وَجِيرَان لَنَا كَانُوا كِرَام
كما تقدم تحقيقه و" يذر " فعل لا يتصرف - كَيَدَعُ - استغناء عنه بتصرُّف [ مرادفه ] - وحُذِفت الواو من " يذر " من غير موجب تصريفي، وإنما حُمِلَت على " يدع " لأنها بمعناها، و" يدع " حُذِفت منه الواوُ لموجب، وهو وقوع الواو بين ياءٍ وكسرةٍ مقدرة وأما الواو في " يذر " فوقعت بين ياء وفتحةٍ أصليةٍ. وقد تقدم تحقيقه عند قوله تعالى :﴿ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الربا ﴾ [ البقرة : ٢٧٨ ].
قوله :﴿ حتى يَمِيزَ ﴾ حتى - هنا - قيل : هي الغائية المجرَّدة، بمعنى " إلى " والفعل بعدها منصوب بإضمار " أن " وقد تقدم تحقيقه في " البقرة ".