فإن قيل الغاية - هنا - مشكلة - على ظاهر اللفظ - لأنه يصير المعنى : أنه تعالى لا يترك المؤمنين على ما أنتم عليه إلى هذه الغاية - وهي التمييز بين الخبيثِ والطَّيِّبِ - ومفهومه أنه إذا وُجِدَت الغاية ترك المؤمنين على ما أنتم عليه.
هذا ظاهرُ ما قالوه من كونها للغاية، وليس المعنى على ذلك قَطْعاً، ويصيرُ هذا نظيرُ قولكَ : لا أكَلِّم زيداً حتى يقدم عمرو، فالكلام منتفٍ إلى قدوم عمرو.
فالجوابُ عنه :" حَتّى " غاية لمن يفهم من معنى هذا الكلام، ومعناه : أنه - تعالى - يخلص ما بينكم بالابتلاء والامتحان إلى أن يميز الخبيثَ من الطيبِ.
وقرأ حمزة [ والكسائي ] - هنا وفي الأنفال - " يُمَيِّزَ " بالتشديد - والباقون بالتخفيف، وعن ابن كثيرٍ - أيضاً - " يُميز " من " أماز " فهذه ثلاث لغاتٍ، يقال : مَازَه وميَّزه وأمازه. والتشديد والهمزة ليسا للنقل ؛ لأنّ الفِعْلَ - قبلهما - مُتَعَد، وإنما " " فعّل " - بالتشديد - و" أفعل " بمعنى : المجرد. وهل " ماز " و" مَيَّز " بمعنًى واحدٍ، أو بمعنيين مختلفين ؟ قولان. ثم القائلونَ بالفرق اختلفوا، فقال بعضهم : لا يقال : ماز، إلا في كثير، فأما واحدٌ من واحدٍ فميَّزت، ولذلك قال أبو مُعاذٍ : يقال ميَّزتُ بين الشيئين تَمْييزاً، ومِزْت بين الأشياء مَيْزاً.
وقال بعضُهُمْ عكس هذا - مزت بين الشيئين مَيْزاً، وميَّزت بين الأشياء تمييزاً - وهذا هو القياس، فإنَّ التضعيفَ يؤذن بالتكثير، وهو لائقٌ بالمتعددات، وكذلك إذا جعلتَ الواحد شيئين قلت : فَرَقْت :- بالتخفيف - ومنه : فرق الشعر، وإن جعلته أشياء، قلت : فرَّقْتها تَفْرِيقاً.