وذكر الآجُرِّي في كتاب النصيحة من حديث أم الدرداء عن النبيّ ﷺ قال :" ما من ميتٌ يُقرأ عنده سورة يس إِلا هُوِّن عليه الموت " فإذا قُضي وتَبِع البصرُ الروح كما أخبر ﷺ في صحيح مسلم وارتفعت العبادات : وزال التكليف، توجّهت على الأحياء أحكام ؛ منها تغميضُه، وإعلامُ إخوانه الصُلحَاء بموته ؛ وكَرِهه قوم وقالوا : هو من النعى.
والأول أصحّ، وقد بيّناه في غير هذا الموضع.
ومنها الأخذ في تجهيزه بالغسل والدّفن لِئَلا يُسرع إليه التغيرّ ؛ قال ﷺ لقوم أخَّروا دفن ميتهم :" عّجلوا بدفن جيفتكم " وقال :" أسرعوا بالجنازة " الحديث، وسيأتي.
الثالثة فأما غسله فهو سُنّة لجميع المسلمين حاشا الشَّهيد على ما تقدم.
وقيل : غسله واجب.
قاله القاضي عبد الوهاب.
والأول : مذهب الكتاب، وعلى هذين القولين العلماءُ.
وسبب الخلاف قوله عليه السلام لأم عطية في غسلها ابنته زينب، على مافي كتاب مسلم.
وقيل : هي أم كلثوم، على ما في كتاب أبي داود :" اغسلنها ثلاثا أو خمسا أو أكثر من ذلك إن رَأَيْتُنّ ذلك " الحديث.
وهو الأصل عند العلماء في غسل الموتى.
فقيل : المراد بهذا الأمر بيانُ حكم الغسل فيكون واجبا.
وقيل : المقصود منه تعليم كيفية الغسل فلا يكون فيه ما يدل على الوجوب.
قالوا ويدّل عليه قوله :"إن رَأَيْتُن ذلك" وهذا يقتضي إخراج ظاهر الأمر عن الوجوب ؛ لأنه فوّضه إلى نظرهن.
قيل لهم : هذا فيه بُعدٌ ؛ لأن ردّك "إن رأيتن " إلى الأمر، ليس السابق إلى الفهم بل السابق رجوع هذا الشرط إلى أقرب مذكور، وهو "أكثر من ذلك" أو إلى التخيير في الأعداد.
وعلى الجملة فلا خلاف في أن غسل الميت مشروع معمول به في الشريعة لا يُترك.
وصفته كصفة غسل الجنابة على ما هو معروف.


الصفحة التالية
Icon