وكان أبو البقاء قد قَدَّم قبل هذا التأنيث في " ذائقة " إنما هو باعتبار معنى " كلٍّ " قال :" لأن كل نفس نفوس، فلو ذكر على لفظ " كل " جاز، يعني أنه لو قيل :﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ ﴾ جاز، وقد تَقَدَّمَ أول البقرة أنه يجب [ اعتبار ] لفظ ما يُضافُ إليه إذا كان نكرة ولا يجوز أن يعتبر " كل " وتحقيق هذه المسألةِ هناك.
قوله :﴿ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ ﴾ " ما " كافة لِـ " إن " عن العمل، قال مكيٌّ :" ولا يحسبن أن تكون " ما " بمعنى الذي، لأنه يلزم رفع " أجورُكم " ولم يقرأ به أحَدٌ، ولأنه يصير التقدير : وأن الذي توفَّوْنَهُ أجوركم، كقولك : إنّ الذي أكرمته عمرو، وأيضاً فإنك تفرق بين الصلة والموصول بخبر الابتداء ".
يعني لو كانت " ما " موصولة لكانت اسم " إن " فيلزم - حينئذٍ - رفع " أجوركم " على أنه خبرها، كقوله تعالى :﴿ إِنَّمَا صَنَعُواْ كَيْدُ سَاحِرٍ ﴾ [ طه : ٦٩ ] ف " ما " - هنا - يجوز أن تكون بمعنى الذي، أو مصدرية، تقديره : إنَّ الذي صنعوه، أو إن صُنْعَهم، ولذلك رفع " كِيْدُ "، خبرها. وقوله : وأيضاً فإنك تفرق... ، يعني أن " يَوْمَ الْقِيَامَة " متعلق بـ " تُوَفَّوْنَ " فهو من تمام الصلة - التي هي الفعل ومعموله - ولا يُخْبَر عن موصول إلا بعد تمام صلته، وهذا وإن كان من الواضحات، إلا أن فيه تنبيهاً على أصول العلم.


الصفحة التالية
Icon