وأسند الطيب إلى ذوات النساء ابتداء ثم جيء بالتمييز للدلالة على قوّة هذا الطيب على ما هو مقرّر في علم المعاني : من الفرق بين واشتعل الرأس شيباً وبين اشتعل شيب رأسي، ليعلم أنه طيب نفس لا يشوبه شيء من الضغط والإلجاء.
وحقيقة فعل ( طاب ) اتّصاف الشيء بالملاءمة للنفس، وأصله طيب الرائحة لحسن مشمومها، وطيب الريح موافقتها للسائر في البحر :﴿ وجرين بهم بريح طيّبة ﴾ [ يونس : ٢٢ ]، ومنه أيضاً ما ترضى به النفس كما تقدّم في قوله تعالى :﴿ يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالاً طيباً ﴾ [ البقرة : ١٦٨ ] ثم استعير لما يزكو بين جنسه كقوله :﴿ ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب ﴾ [ النساء : ٢ ] ومنه فعل ﴿ طبن لكم عن شيء منه نفساً ﴾ هنا أي رضين بإعطائه دون حرج ولا عسف، فهو استعارة.
وقوله :﴿ فكلوه ﴾ استعمل الأكل هنا في معنى الانتفاع الذي لا رجوع فيه لصاحب الشيء المنتفع به، أي في معنى تمام التملّك.
وأصل الأكل في كلامهم يستعار للاستيلاء على مال الغير استيلاء لا رجوع فيه، لأنّ الأكل أشدّ أنواع الانتفاع حائلاً بين الشيء وبين رجوعه إلى مستحقّه.
ولكنّه أطلق هنا على الانتفاع لأجل المشاكلة مع قوله السابق :﴿ ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم ﴾ [ النساء : ٢ ] فتلك محسّن الاستعارة.
و ﴿ هنيئاً مريئاً ﴾ حالان من الضمير المنصوب وهما صفتان مشبّهتان من هنَا وهَنِيء بفتح النون وكسرها بمعنى ساغ ولم يعقب نغصاً.
والمريء من مُرو الطعام مثلث الراء بمعنى هنىء، فهو تأكيد يُشبه الاتباع.
وقيل : الهنيء الذي يلذّه الآكل والمريء ما تحمد عاقبته.