والوجه الآخر أن تكون مُستنْبَطَة من الكتاب والسنة ومن معناهما ؛ فتكون هذه الفرِيضة تعدِل ما أُخذ من الكتاب والسنة إذْ كانت في معنى ما أخذ عنهما نَصّاً.
روى عِكرِمة قال : أرسل ابن عباس إلى زيد بن ثابت يسأله عن امرأة تركت زوجها وأبويها.
قال : للزوج النصف، وللأُمّ ثلث ما بقي.
فقال : تجده في كتاب الله أو تقوله برأي ؟ قال : أقوله برأي ؛ لا أفضل أُمّا على أبٍ.
قال أبو سليمان : فهذا من باب تعديل الفريضة إذا لم يكن فيها نَصٌّ ؛ وذلك أنه اعتبرها بالمنصوص عليه، وهو قوله تعالى :﴿ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثلث ﴾.
فلما وُجد نصيب الأُم الثلثُ، وكان باقي المال هو الثلثان للأب، قاس النصف الفاضل من المال بعد نصيب الزوج على كل المال إذا لم يكن مع الوالدين ابن أو ذو سهم ؛ فقسمه بينهما على ثلاثة، للأُمّ سهمٌ وللأب سهمان وهو الباقي.
وكان هذا أعدل في القسمة من أن يُعطي الأُمّ من النصف الباقي ثلث جميع المال، وللأب ما بقي وهو السدس، ففضلها عليه فيكون لها وهي مَفْضولة في أصل الموروث أكثر مما للأب وهو المقدَّم والمفضَّل في الأصل.
وذلك أعدل مما ذهب إليه ابن عباس من تَوْفير الثُلث على الأُمّ، وبَخْسِ الأبِ حقّه بردّه إلى السدس ؛ فتُرِك قوله وصار عامّة الفقهاء إلى زيد.
قال أبو عمر : وقال عبد الله بن عباس رضي الله عنه في زوج وأبوين : للزوج النصف، وللأُم ثلث جميع المال، وللأب ما بقي.
وقال في امرأة وأبوين : للمرأة الربع، وللأُمّ ثلث جميع المال، والباقي للأب.
وبهذا قال شريح القاضي ومحمد بن سِيرين وداود بن عليّ، وفرقة منهم أبو الحسن محمد بن عبد الله الفرضي المصري المعروف بابن اللّبّان في المسألتين جميعاً وزعم أنه قياس قول عليّ في المشتركة وقال في موضع آخر : أنّه قد روي ذلك عن عليّ أيضاً.


الصفحة التالية
Icon