قال أبو عمر : المعروف المشهور عن عليّ وزيد وعبد الله وسائرِ الصحابة وعامّة العلماء ما رسمه مالك.
ومن الحجة لهم على ابن عباس : أن الأبوَيْن إذا اشتركا في الوراثة، ليس معهما غيرهما، كان للأُم الثلث وللأب الثلثان.
وكذلك إذا اشتركا في النصف الذي يفضل عن الزوج، كانا فيه كذلك على ثلث وثلثين.
وهذا صحيح في النظر والقياس. أ هـ ﴿تفسير القرطبى حـ ٥ صـ ٥٥ ـ ٥٧﴾. بتصرف يسير.
فصل
قال الفخر :
اعلم أن أهل الجاهلية كانوا يتوارثون بشيئين :
أحدهما : النسب، والآخر العهد، أما النسب فهم ما كانوا يورثون الصغار ولا الاناث.
وإنما كانوا يورثون من الأقارب الرجال الذين يقاتلون على الخيل ويأخذون الغنيمة، وأما العهد فمن وجهين : الأول : الحلف، كان الرجل في الجاهلية يقول لغيره : دمي دمك، وهدمي هدمك، وترثني وأرثك، وتطلب بي وأطلب بك، فإذا تعاهدوا على هذا الوجه فأيهما مات قبل صاحبه كان للحي ما اشترط من مال الميت، والثاني : التبني، فإن الرجل منهم كان يتبنى ابن غيره فينسب إليه دون أبيه من النسب ويرثه، وهذا التبني نوع من أنواع المعاهدة، ولما بعث الله محمدا ﷺ تركهم في أول الأمر على ما كانوا عليه في الجاهلية، ومن العلماء من قال : بل قررهم الله على ذلك فقال :﴿وَلِكُلّ جَعَلْنَا مَوَالِىَ مِمَّا تَرَكَ الوالدان والأقربون﴾ [ النساء : ٣٣ ] والمراد التوارث بالنسب.
ثم قال :﴿والذين عَقَدَتْ أيمانكم فَئَاتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ﴾ [ النساء : ٣٣ ] والمراد به التوارث بالعهد، والأولون قالوا المراد بقوله :﴿والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم﴾ ليس المراد منه النصيب من المال، بل المراد فآتوهم نصيبهم من النصرة والنصيحة وحسن العشرة، فهذا شرح أسباب التوارث في الجاهلية.