وأولى التأويلات التي ذكرناها في ذلك، التأويل الذي قلناه. وذلك أن الله تبارك وتعالى ابتدأ ذكر هذه الآية بخطاب الناكحين النساءَ، ونهاهم عن ظلمهنّ والجور عليهن، وعرّفهم سبيلَ النجاة من ظلمهنّ. ولا دلالة في الآية على أن الخطاب قد صُرِف عنهم إلى غيرهم. فإذْ كان ذلك كذلك، فمعلوم أن الذين قيل لهم :"فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع"، هم الذين قيل لهم :"وآتوا النساء صدقاتهن" وأن معناه : وآتوا من نكحتم من النساء صدقاتهن نحلة، لأنه قال في أوّل [الآية] :"فانكحوا ما طاب لكم من النساء"، ولم يقل :"فأنكحوا"، فيكون قوله :"وآتوا النساء صدقاتهن"، مصروفًا إلى أنه معنيّ به أولياء النساء دون أزواجهن.
وهذا أمرٌ من الله أزواجَ النساء المدخول بهن والمسمَّى لهن الصداق، أن يؤتوهن صدُقاتهن، دون المطلقات قبل الدخول ممن لم يسمّ لها في عقد النكاح صداق. أ هـ ﴿تفسير الطبرى حـ ٧ صـ ٥٥٤﴾
فائدة
قال ابن عاشور :
جانبان مُسْتَضْعَفَان في الجاهلية : اليتيم، والمرأة.
وحقّان مغبون فيهما أصحابهما : مال الأيتام، ومال النساء، فلذلك حرسهما القرآن أشدّ الحراسة فابتدأ بالوصاية بحق مال اليتيم، وثنّى بالوصاية بحقّ المرأة في مال ينجرّ إليها لا محالة، وكان توسّط حكم النكاح بين الوصايتين أحسن مناسبة تهَيّىء لعطف هذا الكلام.
فقوله :﴿ وآتوا النساء ﴾ عطف على قوله :﴿ وآتوا اليتامى أموالهم ﴾ [ النساء : ٢ ] والقول في معنى الإيتاء فيه سواء.
وزاده اتّصالاً بالكلام السابق أنّ ما قبله جرى على وجوب القسط في يتامى النساء، فكان ذلك مناسبة الانتقال. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٤ صـ ٢١﴾