كان معاوية بن أبي سفيان يذهب إلى أن النهي والتحريم إنما ورد من النبيّ ﷺ في الدِّينار المضروب والدرهم المضروب لا في التِّبر من الذهب والفضة بالمضروب، ولا في المَصُوغ بالمضروب.
وقد قيل إن ذلك إنما كان منه في المصوغ خاصة، حتى وقع له مع عُبَادة ما خرّجه مسلم وغيره، قال : غَزَوْنا وعلى الناس معاويةُ فغِنمنا غنائمَ كثيرةً، فكان مما غنمنا آنية من فضة فأمر معاوية رجلاً ببيعها في أَعْطِيّات الناس فتنازع الناس في ذلك فبلغ عبادةَ بن الصامت ذلك فقام فقال : إني سمعت رسول الله ﷺ يَنْهَى عن بيع الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبُرّ بالبُرّ والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح إلا سواءً بسواء عَيْناً بعَيْن من زاد أو ازداد فقد أرْبَى ؛ فردّ الناس ما أخذوا، فبلغ ذلك معاويةَ فقام خطيباً فقال : ألاَ ما بالُ رجالٍ يتحدّثون عن رسول الله ﷺ أحاديثَ قد كنا نشهده ونصحبه فلم نسمعها منه! فقام عُبَادة بن الصامت فأعاد القصة ثم قال : لنحدّثنّ بما سمعنا من رسول الله ﷺ وإن كره معاويةُ أو قال وإن رَغِم ما أُبالي ألاّ أصحبَه في جُنْدِه في ليلةٍ سَوْداء.
قال حمّادٌ هذا أو نحوَه.
قال ابن عبد البرّ : وقد رُوي أن هذه القِصة إنما كانت لأبي الدّرداء مع معاوية.
ويحتمل أن يكون وقع ذلك لهما معه، ولكن الحديث في العُرْف محفوظ لعُبَادة، وهو الأصل الذي عوّل عليه العلماء في باب "الربا".
ولم يختلفوا أنّ فعل معاوية في ذلك غير جائز، وغير نَكِير أن يكون معاوية خفي عليه ما قد علمه أبو الدرداء وعُبادة فإنهما جليلان من فقهاء الصحابة وكبارهم، وقد خفِي على أبي بكر وعمر ما وُجد عند غيرهم ممن هو دونهم، فمعاويةُ أحرى.
ويحتمل أن يكون مذهبه كمذهب ابن عباس، فقد كان وهو بحرٌ في العلم لا يرى الدرهم بالدرهمين بأساً حتى صرفه عن ذلك أبو سعيد.


الصفحة التالية
Icon