أحدهما : بقوله ﴿لاَ يَقُومُونَ﴾ والتقدير : لا يقومون من المس الذي لهم إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان والثاني : أنه متعلق بقوله ﴿يقوم﴾ والتقدير لا يقومون إلا كما يقوم المتخبط بسبب المس. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٧ صـ ٧٧ ـ ٧٨﴾
فصل
قال الفخر :
قال الجبائي : الناس يقولون المصروع إنما حدثت به تلك الحالة لأن الشيطان يمسه ويصرعه وهذا باطل، لأن الشيطان ضعيف لا يقدر على صرع الناس وقتلهم ويدل عليه وجوه :
أحدها : قوله تعالى حكاية عن الشيطان ﴿وَمَا كَانَ لِىَ عَلَيْكُمْ مّن سلطان إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فاستجبتم لِى﴾ [ إبراهيم : ٢٢ ] وهذا صريح في أنه ليس للشيطان قدرة على الصرع والقتل والإيذاء والثاني : الشيطان إما أن يقال : إنه كثيف الجسم، أو يقال : إنه من الأجسام اللطيفة، فإن كان الأول وجب أن يرى ويشاهد، إذ لو جاز فيه أن يكون كثيفاً ويحضر ثم لا يرى لجاز أن يكون بحضرتنا شموس ورعود وبروق وجبال ونحن لا نراها، وذلك جهالة عظيمة، ولأنه لو كان جسماً كثيفاً فكيف يمكنه أن يدخل في باطن بدن الإنسان، وأما إن كان جسماً لطيفاً كالهواء، فمثل هذا يمتنع أن يكون فيه صلابة وقوة، فيمتنع أن يكون قادراً على أن يصرع الإنسان ويقتله الثالث : لو كان الشيطان يقدر على أن يصرع ويقتل لصح أن يفعل مثل معجزات الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وذلك يجر إلى الطعن في النبوّة الرابع : أن الشيطان لو قدر على ذلك فلم لا يصرع جميع المؤمنين ولم لا يخبطهم مع شدة عداوته لأهل الإيمان، ولم لا يغصب أموالهم، ويفسد أحوالهم، ويفشي أسرارهم، ويزيل عقولهم ؟ وكل ذلك ظاهر الفساد، واحتج القائلون بأن الشيطان يقدر على هذه الأشياء بوجهين الأول : ما روي أن الشياطين في زمان سليمان بن داود عليهما السلام كانوا يعملون الأعمال الشاقة على ما حكى الله عنهم أنهم كانوا يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجوابي وقدور راسيات.