بحث نفيس
قال صاحب الميزان :
الإنسان الممسوس وهو الذي اختلت قوته المميزة فهو لا يفرق بين الحسن والقبيح والنافع والضار والخير والشر، فيجري حكم كل مورد فيما يقابله من الموارد، لكن لا لأنه ناس لمعنى الحسن والقبح وغيرهما فإنه بالآخرة إنسان ذو إرادة، ومن المحال أن يصدر عن الإنسان غير الأفعال الإنسانية بل لأنه يرى القبيح حسنا والحسن قبيحا والخير والنافع شرا وضارا وبالعكس فهو خابط في تطبيق الأحكام وتعيين الموارد.
وهو مع ذلك لا يجعل الفعل غير العادي عاديا دون العكس فإن لازم ذلك أن يكون عنده آراء وأفكار منتظمة ربما طبقها على غير موردها من غير عكس، بل قد اختل عنده حكم العادة وغيره وصار ما يتخيله ويريده هو المتبع عنده، فالعادي وغير العادي عنده على حد سواء كالناقة تخبط وتضرب على غير استواء، فهو في خلاف العادة لا يرى العادة إلا مثل خلاف العادة من غير مزية لها عليه، فلا ينجذب من خلاف العادة إلى العادة فافهم ذلك.
وهذا حال المرابي في أخذه الربا (إعطاء الشئ وأخذ ما يماثله وزيادة بالأجل) فإن الذي تدعو إليه الفطرة ويقوم عليه أساس حياة الإنسان الاجتماعية أن يعامل بمعاوضة ما عنده من المال الذي يستغنى عنه مما عند غيره من المال الذي يحتاج إليه، وأما إعطاء المال وأخذ ما يماثله بعينه مع زيادة فهذا شئ ينهدم به قضاء الفطرة وأساس المعيشة، فإن ذلك ينجر من جانب المرابي إلى اختلاس المال من يد المدين وتجمعه وتراكمه عند المرابي، فإن هذا المال لا يزال ينمو ويزيد، ولا ينمو إلا من مال الغير، فهو بالانتقاص والانفصال من جانب، والزيادة والانضمام إلى جانب آخر.
وينجر من جانب المدين المؤدي للربا إلى تزايد المصرف بمرور الزمان تزايدا لا يتداركه شئ مع تزايد الحاجة وكلما زاد المصرف أي نمى الربا بالتصاعد زادت الحاجة من غير أمر يجبر النقص ويتداركه، وفي ذلك انهدام حياة المدين.