فالربا يضاد التوازن والتعادل الاجتماعي ويفسد الانتظام الحاكم على هذا الصراط المستقيم الإنساني الذي هدته إليه الفطرة الإلهية.
وهذا هو الخبط الذي يبتلي به المرابي كخبط الممسوس، فإن المراباة تضطره أن يختل عنده أصل المعاملة والمعاوضة فلا يفرق بين البيع والربا، فإذا دعي إلى أن يترك الربا ويأخذ بالبيع أجاب أن البيع مثل الربا لا يزيد على الربا بمزية، فلا موجب لترك الربا وأخذ البيع، ولذلك استدل تعالى على خبط المرابين بما حكاه من قولهم :﴿إنما البيع مثل الربا﴾.
ومن هذا البيان يظهر : أولا : أن المراد بالقيام في قوله تعالى :﴿لا يقومون إلا كما يقوم﴾، هو الاستواء على الحياة والقيام بأمر المعيشة فإنه معنى من معاني القيام يعرفه أهل اللسان في استعمالاتهم، قال تعالى :" ليقوم الناس بالقسط " الحديد - ٢٥، وقال تعالى :" أن تقوم السماء والأرض بأمره " الروم - ٢٥، وقال تعالى :" وأن تقوموا لليتامى بالقسط " النساء - ١٢٧، وأما كون المراد به المعنى المقابل للقعود فمما لا يناسب المورد، ولا يستقيم عليه معنى الآية.
وثانيا : أن المراد بخبط الممسوس في قيامه ليس هو الحركات التي تظهر من الممسوس حال الصرع أو عقيب هذا الحال على ما يظهر من كلام المفسرين، فإن ذلك لا يلائم الغرض المسوق لبيانه الكلام، وهو ما يعتقده المرابي من عدم الفرق بين البيع والربا، وبناء عمله عليه، ومحصله أفعال اختيارية صادرة عن اعتقاد خابط، وكم من فرق بينهما وبين الحركات الصادرة عن المصروع حال الصرع، فالمصير إلى ما ذكرناه من كون المراد قيام الربوي في حياته بأمر المعاش كقيام الممسوس الخابط في أمر الحياة.
وثالثا : النكتة في قياس البيع بالربا دون العكس في قوله تعالى :﴿ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا﴾، ولم يقل : إنما الربا مثل البيع كما هو السابق إلى الذهن وسيجئ توضيحه.


الصفحة التالية
Icon