قوله تعالى :﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا البيع مِثْلُ الربا﴾

فصل


قال الفخر :
القوم كانوا في تحليل الربا على هذه الشبهة، وهي أن من اشترى ثوباً بعشرة ثم باعه بأحد عشر فهذا حلال، فكذا إذا باع العشرة بأحد عشرة يجب أن يكون حلال، لأنه لا فرق في العقل بين الأمرين، فهذا في ربا النقد، وأما في ربا النسيئة فكذلك أيضاً، لأنه لو باع الثوب الذي يساوي عشرة في الحال بأحد عشر إلى شهر جاز فكذا إذا أعطى العشرة بأحد عشر إلى شهر، وجب أن يجوز لأنه لا فرق في العقل بين الصورتين، وذلك لأنه إنما جاز هناك، لأنه حصل التراضي من الجانبين، فكذا ههنا لما حصل التراضي من الجانبين وجب أن يجوز أيضاً، فالبياعات إنما شرعت لدفع الحاجات، ولعلل الإنسان أن يكون صفر اليد في الحال شديد الحاجة، ويكون له في المستقبل من الزمان أموال كثيرة، فإذا لم يجز الربا لم يعطه رب المال شيئاً فيبقى الإنسان في الشدة والحاجة، إما بتقدير جواز الربا فيعطيه رب المال طمعاً في الزيادة، والمديون يرده عند وجدان المال، وإعطاء تلك الزيادة عند وجدان المال أسهل عليه من البقاء في الحاجة قبل وجدان المال، فهذا يقتضي حل الربا كما حكمنا بحل سائر البياعات لأجل دفع الحاجة، فهذا هو شبهة القوم، والله تعالى أجاب عنه بحرف واحد، وهو قوله ﴿وَأَحَلَّ الله البيع وَحَرَّمَ الربا﴾ ووجه الجواب أن ما ذكرتم معارضة للنص بالقياس، وهو من عمل إبليس، فإنه تعالى لما أمره بالسجود لآدم ﷺ عارض النص بالقياس، فقال :
﴿أَنَاْ خَيْرٌ مّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ﴾ [ الأعراف : ١٢ ] [ ص : ٧٦ ]


الصفحة التالية
Icon