قلنا : إن قوله ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا البيع مِثْلُ الربا﴾ صريح في أن العلة لذلك التخبط هو هذا القول والاعتقاد فقط، وعند هذا يجب تأويل مقدمة الآية، وقد بينا أنه ليس المراد من الأكل نفس الأكل، وذكرنا عليه وجوهاً من الدلائل، فأنتم حملتموه على التصرف في الربا، ونحن نحمله على استحلال الربا واستطابته، وذلك لأن الأكل قد يعبر به عن الاستحلال، يقال : فلان يأكل مال الله قضماً خصماً، أي يستحل التصرف فيه، وإذا حملنا الأكل على الاستحلال، صارت مقدمة الآية مطابقة لمؤخرتها، فهذا ما يدل عليه لفظ الآية، إلا أن جمهور المفسرين حملوا الآية على وعيد من يتصرف في مال الربا، لا على وعيد من يستحل هذا العقد. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٧ صـ ٨٠﴾
فائدة
قال ابن عاشور :
وقولهم :﴿إنما البيع مثل الربا﴾ قصر إضافي للردّ على من زعم تخالف حكمهما فحرم الربا وأحل البيع، ولمّا صُرح فيه بلفظ مِثل ساغ أن يقال البيع مثل الربا كما يسوغ أن يقال الربا مثل البيع، ولا يقال : إنّ الظاهر أن يقولوا إنّما الربا مثل البيع لأنّه هو الذي قصد إلحاقه به، كما في سؤال الكشاف وبنى عليه جعل الكلام من قبيل المبالغة ؛ لأنّا نقول : ليسوا هم بصدد إلحاق الفروع بالأصول على طريقة القياس بل هم كانوا يتعاطون الربا والبيع، فهما في الخطور بأذهانهم سواء، غير أنّهم لما سمعوا بتحريم الربا وبقاء البيع على الإباحة سبق البيعُ حينئذ إلى أذهانهم فأحضروه ليثبتوا به إباحة الربا، أو أنّهم جعلوا البيع هو الأصل تعريضاً بالإسلام في تحريمه الربا على الطريقة المسمّاة في الأصول بقياس العكس ؛ لأنّ قياس العكس إنّما يُلتجأ إليه عند كفاح المناظرة ؛ لا في وقت استنباط المجتهد في خاصّة نفسه.
وأرادوا بالبيع هنا بيع التجارة لا بيع المحتاج سلعته برأس ماله. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٣ صـ ٨٣ ـ ٨٤﴾
وقال ابن كثير :


الصفحة التالية
Icon