يحتمل أن يكون هذا الكلام من تمام كلام الكفار، والمعنى أنهم قالوا : البيع مثل الربا، ثم إنكم تقولون ﴿وَأَحَلَّ الله البيع وَحَرَّمَ الربا﴾ فكيف يعقل هذا ؟ يعني أنهما لما كانا متماثلين فلو حل أحدهما وحرم الآخر لكان ذلك إيقاعاً للتفرقة بين المثلين، وذلك غير لائق بحكمة الحكيم فقوله ﴿أَحَلَّ الله البيع وَحَرَّمَ الربا﴾ ذكره الكفار على سبيل الاستبعاد، وأما أكثر المفسرين فقد اتفقوا على أن كلام الكفار انقطع عند قوله ﴿إِنَّمَا البيع مِثْلُ الربا﴾ وأما قوله ﴿أَحَلَّ الله البيع وَحَرَّمَ الربا﴾ فهو كلام الله تعالى ونصه على هذا الفرق ذكره إبطالاً لقول الكفار إنما البيع مثل الربا، والحجة على صحة هذا القول وجوه :
الحجة الأولى : أن قول من قال : هذا كلام الكفار لا يتم إلا بإضمار زيادات بأن يحمل ذلك على الاستفهام على سبيل الإنكار، أو يحمل ذلك على الرواية من قول المسلمين، ومعلوم أن الإضمار خلاف الأصل، وأما إذا جعلناه كلام الله ابتداء لم يحتج فيه إلى هذا الإضمار، فكان ذلك أولى.
الحجة الثانية : أن المسلمين أبداً كانوا متمسكين في جميع مسائل البيع بهذه الآية ولولا أنهم علموا أن ذلك كلام الله لا كلام الكفار، وإلا لما جاز لهم أن يستدلوا به، وفي هذه الحجة كلام سيأتي في المسألة الثانية.


الصفحة التالية
Icon