الحجة الثالثة : أنه تعالى ذكر عقيب هذه الكلمة قوله ﴿فَمَن جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مّنْ رَّبّهِ فانتهى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى الله وَمَنْ عَادَ فأولئك أصحاب النار هُمْ فِيهَا﴾ فظاهر هذا الكلام يقتضي أنهم لما تمسكوا بتلك الشبهة وهي قوله ﴿إِنَّمَا البيع مِثْلُ الربا﴾ فالله تعالى قد كشف عن فساد تلك الشبهة وعن ضعفها، ولو لم يكن قوله ﴿وَأَحَلَّ الله البيع وَحَرَّمَ الربا﴾ كلام الله لم يكن جواب تلك الشبهة مذكوراً فلم يكن قوله ﴿فَمَن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مّنْ رَّبّهِ﴾ لائقاً بهذا الموضع. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٧ صـ ٨٠ ـ ٨١﴾
قال القرطبى :
قوله تعالى :﴿إِنَّمَا البيع مِثْلُ الربا﴾ أي إنما الزيادة عند حلول الأجل آخراً كمثل أصل الثمن في أوّل العقد، وذلك أن العرب كانت لا تعرف ربا إلا ذلك ؛ فكانت إذا حلّ ديْنها قالت للغريم : إما أن تَقْضِي وإما أن تُرْبِي، أي تزيد في الدَّين.
فحرم الله سبحانه ذلك وردّ عليهم قولهم بقوله الحق :﴿وَأَحَلَّ الله البيع وَحَرَّمَ الربا﴾ وأوضح أن الأجل إذا حلّ ولم يكن عنده ما يؤدّي أُنْظِر إلى المَيْسرة.
وهذا الربا هو الذي نسخه النبيّ ﷺ بقوله يوم عرفة لمّا قال :" ألا إن كل رباً موضوع وإن أوّل رِبا أضعه رِبانا رِبَا عباس بن عبد المطلب فإنه موضوع كله " فبدأ ﷺ بعمِّه وأخص الناس به.
وهذا من سنن العدل للإمام أن يُفيض العدل على نفسه وخاصته فيستفيض حينئذ في الناس. أ هـ ﴿تفسير القرطبى حـ ٣ صـ ٣٥٦﴾
فائدة
قال البقاعى :
وفي الآية إشارة إلى أنه سبحانه وتعالى قضى بنزع نور العقل من المربي ودل على ذلك بقوله :﴿ذلك﴾ أي الأمر البعيد من الصواب ﴿بأنهم﴾ أي المربون ﴿قالوا﴾ جدالاً لأهل الله ﴿إنما البيع﴾ أي الذي تحصرون الحل فيه يا أهل الإسلام ﴿مثل الربا﴾ في أن كلاًّ منهما معاوضة،
فنحن نتعاطى الربا كما تتعاطون أنتم البيع،


الصفحة التالية
Icon