عقد الربا مفسوخ لا يجوز بحال ؛ لما رواه الأئمة واللفظ لمسلم عن أبي سعيد الخُدْرِيّ قال :" جاء بلال بتمر بَرْنِيّ فقال له رسول الله ﷺ :"من أين هذا" ؟ فقال بلال : من تمرٍ كان عندنا رديء، فبعت منه صاعين بصاع لمَطْعَم النبيّ ﷺ ؛ فقال رسول الله ﷺ عند ذلك :"أَوْهِ عَيْنُ الرِّبَا لا تفعل ولكن إذا أردت أن تشتريَ التمر فبعه ببيع آخر ثم اشتر به" " وفي رواية " هذا الرِّبا فردّوه ثم بيعوا تمرنا واشتروا لنا من هذا " قال علماؤنا : فقوله ؛ "أوهِ عين الربا" أي هو الربا المحرّم نفسه لا ما يشبهه.
وقوله :"فردّوه" يدل على وجوب فسخ صفقة الربا وأنها لا تصح بوجه ؛ وهو قول الجمهور ؛ خلافاً لأبي حنيفة حيث يقول : إنّ بيع الربا جائز بأصله من حيث هو بيع، ممنوع بوصفه من حيث هو رِباً، فيسقط الربا ويصح البيع.
ولو كان على ما ذُكر لما فسخ النبيّ ﷺ هذه الصفقة، ولأمره بردّ الزيادة على الصاع ولصحّح الصفقة في مقابلة الصاع. أ هـ ﴿تفسير القرطبى حـ ٣ صـ ٣٥٨﴾
فائدة ثانية
قال القرطبى :
كل ما كان من حرام بيّن ففُسخ فعلى المبتاع ردّ السلعة بعينها.
فإن تلفت بيده ردّ القيمة فيما له القيمة، وذلك كالعقار والعُروض والحيوان، والمِثْل فيما له مِثل من موزون أو مكيل من طعام أو عَرَض.
قال مالك : يُردّ الحرام البيّن فات أو لم يفت، وما كان مما كره الناس رُدّ إلاّ أن يفوت فيترك. أ هـ ﴿تفسير القرطبى حـ ٣ صـ ٣٥٩﴾
لطيفة
قال القاسمى ما نصه :
قال القاشانى عليه الرحمة :
آكل الربا أسوأ حالاً من جميع مرتكبي الكبائر، فإنّ كل مكتسب له توكل ما في كسبه قليلاً كان أو كثيراً، كالتاجر والزارع والمحترف، إذ لم يعينوا أرزاقهم بعقولهم ولم تتعين لهم قبل الاكتساب فهم على غير معلوم في الحقيقة، كما قال رسول الله ﷺ :" أبى الله أن يرزق المؤمن إلا من حيث لا يعلم ".﴿أخرجه القضاعى فى "مسند الشهاب" (٥٨٤)، وأبو نعيم فى "دلائل النبوة" (٦٢) من حديث جابر.
وفيه أحمد بن طاهر السمرقندى، قيل : إنه أكذب البرية.
وأخرجه القضاعى (٥٨٥) عن جعفر بن محمد عن أبيه، عن جده. وفى "كشف الخفاء" رقم (٥٨)
قال فى "التمييز" تبعا للأصل : أخرجه الديلمى من حديث أبى هريرة، من رواية عمر بن راشد وهو ضعيف جدا﴾.
وأما آكل الربا فقد عين على آخذه مكسبه ورزقه سواء ربح الآخذ أو خسر، فهو محجوب عن ربه بنفسه وعن رزقه بتعيينه، لا توكل له أصلاً، فوكلّه الله تعالى إلى نفسه وعقله، وأخرجه من حفظه وكلاءته، فاختطفه الجنّ وخبلته، فيقوم يوم القيامة ولا رابطة بينه وبين الله كسائر الناس المرتبطين به بالتوكل، فيكون كالمصروع الذي مسّه الشيطان فتخبطه لا يهتدي إلى مقصد ﴿ذلك بأنَهُم قالوا﴾ أي : ذلك بسبب احتجابهم بقياسهم وأول من قاس إبليس فيكونون من أصحابه مطرودين مثله. أ هـ ﴿محاسن التأويل حـ ١ صـ ٢٧٢﴾
قوله تعالى :﴿فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾
المناسبة
قال البقاعى :
ولما كان الوعظ كما قال الحرالي دعوة الأشياء بما فيها من العبرة للانقياد للإله الحق بما يخوفها ويقبضها في مقابلة التذكير بما يرجيها ويبسطها،