وكان فيما أخبر به سبحانه وتعالى عن حال المربي أتم زاجر لأن أجلّ ما للإنسان بعد روحه عقله سبب عن ذلك قوله :﴿فمن جاءه﴾ قال الحرالي : أطلق الكلمة من علامة التأنيث النازل الرتبة ترفيعاً لقدر هذه الموعظة الخفية المدرك العظيمة الموقع ﴿موعظة﴾ بناء مبالغة وإعلاء لما أشعرت المفعلة الزائدة الحروف على أصل لفظ الوعظ بما يشعر به الميم من التمام والهاء من الانتهاء،
فوضع الأحكام حكمة،
والإعلام بثمراتها في الآخرة موعظة تشوق النفس إلى رغبتها ورهبتها - انتهى.
ولما كان التخويف من المحسن أردع لأن النفس منه أقبل قال :﴿من ربه﴾ أي المربي له المحسن إليه بكل ما هو فيه من الخير.
قال الحرالي : في إشعاره أن من أصل التربية الحمية من هذا الربا - انتهى.
﴿فانتهى﴾ أي عما كان سبباً للوعظ.
قال الحرالي : أتى بالفاء المعقبة فلم يجعل فيه فسحة ولا قراراً عليه لما فيه من خبل العقل الذي هو أصل مزية الإنسانية وإن لم يشعر به حكماء الدنيا ولا أطباؤها - انتهى.
ولما كان السياق بما أرشد إليه التعليل بقوله :﴿ذلك بأنهم قالوا﴾ دالاً على أن الآية في الكفرة وأن المراد بالأكل الاستحلال أكد ذلك بقوله :﴿فله ما سلف﴾ أي من قبيح ما ارتكبه بعد أن كان عليه ولا يتبعه شيء من جريرته لأن الإسلام يجب ما قبله وتوبة المؤمن لا تجب المظالم.
قال الحرالي : والسلف هو الأمر الماضي بكليته الباقي بخلفه، وقال : في إعلامه إيذان بتحليل ما استقر في أيديهم من ربا الجاهلية ببركة توبتهم من استئناف العمل به في الإسلام لما كان الإسلام يجب ما قبله،
وفي طيّ إشعاره تعريض برده لمن يأخذ لنفسه بالأفضل ويقوي إشعاره قوله ﴿وأمره إلى الله﴾ انتهى،
أي فهو يعامله بما له من الجلال والإكرام بما يعلمه من نيته من خلوص وغيره.