أما قوله ﴿وَمَنْ عَادَ فأولئك أصحاب النار هُمْ فِيهَا خالدون﴾ فالمعنى : ومن عاد إلى استحلال الربا حتى يصير كافراً.
واعلم أن قوله ﴿فأولئك أصحاب النار هُمْ فِيهَا خالدون﴾ دليل قاطع في أن الخلود لا يكون إلا للكافر لأن قوله ﴿أُوْلَئِكَ أصحاب النار﴾ يفيد الحصر فيمن عاد إلى قول الكافر وكذلك قوله ﴿هُمْ فِيهَا خالدون﴾ يفيد الحصر، وهذا يدل على أن كونه صاحب النار، وكونه خالداً في النار لا يحصل إلا في الكفار أقصى ما في الباب أنا خالفنا هذا الظاهر وأدخلنا سائر الكفار فيه، لكنه يبقى على ظاهره في صاحب الكبيرة فتأمل في هذه المواضع، وذلك أن مذهبنا أن صاحب الكبيرة إذا كان مؤمناً بالله ورسوله يجوز في حقه أن يعفو الله عنه، ويجوز أن يعاقبه الله وأمره في البابين موكل إلى الله، ثم بتقدير أن يعاقبه الله فإنه لا يخلد في النار بل يخرجه منها، والله تعالى بيّن صحة هذا المذهب في هذه الآيات بقوله ﴿فأمره إِلَى الله﴾ على جواز العفو في حق صاحب الكبيرة على ما بيناه.
ثم قوله ﴿فأولئك أصحاب النار هُمْ فِيهَا خالدون﴾ يدل على أن بتقدير أن يدخله الله النار لكنه لا يخلده فيها لأن الخلود مختص بالكفار لا بأهل الإيمان، وهذا بيان شريف وتفسير حسن. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٧ صـ ٨٢ ـ ٨٣﴾
فائدة
قال ابن عاشور :
وجُعل العائد خالداً في النار إما لأنّ المراد العود إلى قوله :﴿إنما البيع مثل الربوا﴾، أي عاد إلى استحلال الربا وذلك نِفاق ؛ فإنّ كثيراً منهم قد شقّ عليهم ترك التعامل بالربا، فعلم الله منهم ذلك وجعَل عدم إقلاعهم عنه أمارة على كذب إيمانهم، فالخلود على حقيقته.
وإما لأنّ المراد العود إلى المعاملة بالربا، وهو الظاهر من مقابلته بقوله :﴿فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى﴾ والخلود طول المكث كقول لبيد :
فوقفْتُ أسألُها وكيفَ سؤالُنا
صُمّاً خَوَالِدَ ما يَبِين كلامُها...
ومنه : خلَّد الله مُلك فلان.