وقد قدمنا مراراً أن ما دل على التحريم مقدم على ما دل على الإباحة. لأن ترك مباح أهون من ارتكاب حرام، ولا سيما تحريم الربا الذي صرح الله تعالى بأن مرتكبه محارب الله. وثبت عن رسول الله ﷺ لعنه. ومن أنواع الربا ما اختلف العلماء في منعه كما إذا كان البيع ظاهره الحلية، ولكنه يمكن أن يكون مقصوداً به التوصل إلى الربا الحرام، عن طريق الصورة المباحة في الظاهر كما لو باع سلعة بثمن إلى أجل ثم اشترى تلك السلعة بعينها بثمن أقل من الأول نقداً، أو لأقرب من الأجل الأول، أو بأكثر لأبعد فظاهر العقدين الإباحة. لأنه بيع سلعة بدراهم إلى أجل في كل منهما وهذا لا مانع منه، ولكنه يجوز أن يكون مقصود المتعاقدين دفع دراهم وأخذ دراهم أكثر منها لأجل أن السلعة الخارجة من اليد العاشدة إليها ملغاة فيؤول الأمر إلى أنه دفع دراهم وأخذ أكثر منها لأجل، وهو عين الربا الحرام ومثل هذا ممنوع عند مالك، وأحمد، والثوري، والأوزاعي، وأبي حنيفة والحسن بن صالح، وروي عن الشعبي والحكم وحماد كما في الاستذكار وأجازه الشافعي.
واستدل المانعون بما رواه البيهقي والدارقطني عن عائشة أنها أنكرت ذلك على زيد بن أرقم، وقالت : أبلغي زيداً أنه أبطل جهاده مع رسول الله ﷺ إن لم يتب.
وقال الشافعي : إن زيد بن أرقم مخالف لعائشة، وإذا اختلف صحابيان في شيء رجحنا منهما من يوافقه القياس والقياس هنا موافق لزيد. لأنهما عقدان كل منهما صحيح في نفسه.


الصفحة التالية
Icon