التفات من الغيبة إلى الخطاب وتلوين للنظم من باب جار على نهج البلاغة في اقتنان الكلام ومسلك البراعة حسبما يقتضي المقام لما أن التنقل من أسلوب أدخل في استجلاب النفوس واستمالة القلوب يقع من كل واحد من المتكلم والخطاب والغيبة إلى كل واحد من الآخرين كما في قوله عز وجل " الله الذي أرسل الرياح فتثير سحاباً " الآية، وقوله تعالى " حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم " إلى غير ذلك من الالتفاتات الواردة في التنزيل لأسرار تقتضيها ومزايا تستدعيها ومما استأثر به هذا المقام الجليل من النكت الرائقة الدالة على أن تخصيص العبادة والاستعانة به تعالى لما أجرى عليه من النعوت الجليلة التي أوجبت له تعالى أكمل تميز وأتم ظهور بحيث تبدل خفاء الغيبة بجلاء الحضور فاستدعى استعمال صيغة الخطاب والإيذان بأن حق التالي بعد ما تأمل فيما سلف من تفرده تعالى بذاته الأقدس المستوجب للعبودية وامتيازه بذاته عما سواه بالكلية واستبداده بجلائل الصفات وأحكام الربوبية المميزة له عن جميع أفراد العالمين وافتقار الكل إليه في الذات والوجود ابتداء وبقاء على التفصيل الذي مرت إليه الإشارة أن يترقى من رتبة البرهان إلى طبقة العيان وينتقل من عالم الغيبة إلى معالم الشهود ويلاحظ نفسه في حظائر القدس حاضراً في محاضر الأنس كأنه واقف لدى مولاه ماثل بين يديه وهو يدعو بالخضوع والإخبات ويقرع بالضراعة باب المناجاة قائلاً يا من هذه شئون ذاته وصفاته نخصك بالعبادة والاستعانة فإن كل ما سواك كائناً من كان بمعزل عن استحقاق الوجود فضلاً عن استحقاق أن يعبد أو يستعان ولعل هذا هو السر في اختصاص السورة الكريمة بوجوب القراءة في كل ركعة من الصلاة التي هي مناجاة العبد لمولاه ومئنة للتبتل إليه بالكلية (١). أ هـ
فائدة
العبودية نوعان : عامة، وخاصة.
(٢/١٦)