صدقة عائشة رضي الله عنها دلالة على إيمانها
خرج ﷺ من مكة إلى المدينة، وانتشر الإسلام، ثم يكون هناك من بعض الأفراد اليقين الجازم كما قدمنا مراراً عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في قصتها مع بريرة وقرص الشعير، وكانت صائمة، وجاء مسكين، فقال: صدقة يا آل بيت رسول الله، قالت عائشة: يا بريرة أعطي السائل، قالت: ما عندي ما أعطيه، إلا قرص شعير تفطرين عليه في المغرب، فماذا قالت أم المؤمنين؟ هل قالت: احفظيه لنا؟! لا، بل قالت: أعطي السائل القرص وعند المغرب يرزق الله، فذهبت بريرة وهي تتغنى بقول عائشة: عند المغرب يرزق الله، لم ترتفع بريرة إلى مستوى أم المؤمنين في اليقين بالله سبحانه، ثم جاء المغرب ما رزق الله، قامت تصلي أمامها، وبريرة جلست تريد أن ترى رزق الله، فما خرجت أم المؤمنين من صلاة المغرب والتفتت إلا وشاة كاملة أمامها بقرامها، قالوا: القرام هو أطرافها وما معها، أو أن القرام هو أنهم إذا أرادوا شوي الشاة بعد سلخها جاءوا بالعجين وطلوها به من جميع الجوانب، ووضعوا عليها الجمر، فإذا جف هذا العجين نضجت الشاة من داخله، وبقي العجين يتلقى الأتربة وغير ذلك، فيقشرون هذا العجين عنها كما تقشر البيضة أو حبة الموز، والآن يستبدلونه بالقصدير، فيدخلون اللحم في الفرن بالقصدير، ويبقى على ما هو عليه.
فقالت أم المؤمنين لـ بريرة: ما هذا يا بريرة؟ قالت: والله أهداه إلينا رجل، والله ما أهدى إلينا قبل ذلك قط.
يعني: شيء عجيب، لو أنه معتاد أنه يأتي له حسب العادة، لما فوجئ أهل البيت، لكنه على العكس ما أتى لنا بشيء أبداً من قبل.
إذاً: شيء ساقه الله بخصوصه، ماذا قالت أم المؤمنين؟ قالت: (يا بريرة! كلي فهذا خير من قرصك)، أنت كنت حريصة على أن يبقى قرص الشعير؛ لأنك صائمة، فأعطيت قرص الشعير وجاءت الشاة.
ثم قالت -وهو محل الشاهد-: (والله لا يكمل إيمان العبد حتى يكون يقينه فيما عند الله أقوى من يقينه فيما في قبضة يده)، الخبز بيدها، ولكنها تصدقت به، ويقينها وإيمانها عند الله أقوى في قلبها من هذا الذي في قبضة يدها، وهذا هو حقيقة الإيمان.