تفسير قوله تعالى: (أولئك هم الصادقون)
﴿أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ﴾ [الحجرات: ١٥]، الذين آمنوا: داموا على الإيمان وثبتوا عليه، وأيدوا إيمانهم ويقينهم بالعمل وهو الإنفاق ينتظرون العوض يوم القيامة، والجهاد بالنفس ينتظرون الشهادة، ونعلم بأن قيمة الشهادة عظيمة ﴿أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾ [آل عمران: ١٦٩].
وكونهم أحياء عند ربهم جاء الواقع يصدِّق هذا، ونحن لسنا في حاجة إلى أن نختبر كلام الله بتصديق الواقع؛ ولكن كما قال إبراهيم: ﴿وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي﴾ [البقرة: ٢٦٠] : يذكر مالك في الموطأ في شهداء أحد لما جاءت قناة معاوية أو جاء السيل وكشف عن أرجلهم، قالوا: نرفعهم عن مجرى السيل، فالرسول ﷺ كان دفنهم في الربوة التي على حافة السيل، أو كانوا في بطن الوادي، وكان بقايا مبنى المصرع -كما يقال: الموضع- الذي صُرع فيه حمزة دُفن فيه في بطن الوادي، وبعد الأربعين سنة لما أرادوا نقلهم من مجرى السيل إلى الربوة وجدوا أبدانهم سليمة وكأنهم دفنوا بالأمس وهذا بعد أربعين سنة؟! وحدثني بعض الإخوان من أعضاء هيئة الأمر بالمعروف في تلك المنطقة، قال -كانت هناك هيئة ثابتة دائمة-: توفيت لنا طفلة فتكاسلنا أن ننزل بها إلى البقيع وقلنا ندفنها هنا بجوار الشهداء، وهي طفلة ولن تؤذيهم، فذهب أبوها يحفر لها فإذا به يفاجأ بالدم يفور في وجهه، فألقى المسحاة وأخذ يبحث فإذا المسحاة أصابت فخذ رجل وانبعث منه الدم، فأخذ غترته وعصب على محل الجرح وردم عليه التراب، وأخذوا البنت وذهبوا بها إلى البقيع.
هذا في عام (١٣٧٠هـ) أو دون السبعين.
يعني: بعد قرن وثلث والدم في جسمه.
فإذا كان الإنسان مؤمناً وصادقاً في إيمانه أنفق المال في سبيل الله، والحسنة بسبعمائة ﴿وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ [البقرة: ٢٦١]، وإن قتل فهو حي عند ربه يرزق.
إذاً: لا يتوانى ولا يتأخر ولا ينهزم ويكون بيقينه هذا من جانب المال ومن جانب النفس ينطلق يجاهد في سبيل الله، ﴿أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ﴾ [الحجرات: ١٥].