تفسير قوله تعالى: (لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم... )
يقول: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الأَمْرِ﴾ [الحجرات: ٧] مما جئتم به، وهذا أعم من نبأ الفاسق، قد يكون لهم رغبة، لكن: لا تقدموا، لا تقترحوا، لا تطلبوا، إذ إنه لو يطيعكم في كثير من رغباتكم ولو كانت صحيحة بدون كذب، ﴿لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الأَمْرِ﴾، ولو كان بعضه كذباً، لو يطيعكم لمجرد الطاعة لرغباتكم، (لَعَنِتُّمْ)، والعنت: شدة الألم.
يقولون: العنت هو كسر العظم مرة ثانية بعد أن جُبر في كسر سابق؛ لأن الألم يكون أشد من الكسر الأول، فلو أن النبي ﷺ يطيع الأمة في كل ما يريدون ويصبح تابعاً لهم، إذاً: ما الميزة بينه وبين غيره، ولكنه رسول الله لا يتبع إلا الوحي؛ فأنتم بين أمرين: تريدونه تابعاً لكم، أو هو تابع لله بما يوحي إليه وأنتم تبع له، هذه معادلة، ﴿لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الأَمْرِ﴾ [الحجرات: ٧]، وأصبح متبعاً لكم محققاً لرغباتكم؛ لأدى الأمر إلى العنت الذي يلحقكم بسبب طاعته إياكم.
إذاً: ما الواجب؟ هو رسول الله، ويطيع ما جاءه من عند الله الذي أرسله، وأنتم تبع له فتسلمون، ولكن هنا: (لَوْ يُطِيعُكُمْ) أفي جميع الأمر؟ لا.
بل (فِي كَثِيرٍ)، مفهوم الكثير أنه يمكن أن يطيعهم في القليل، وقد يكون في هذا القليل مصلحة لهم، وإذا أطاعهم في القليل قد يكون فيه تحقيق لرغباتهم من غير إقرار لهم على باطلهم؛ لأن الله لا يقره على باطل، (فلو يطيعكم) ووافقه الوحي وأقره الله على تلك الطاعة كانت مصلحة، لكن لو أراد أن يطيعكم في أمر والله لا يريد ذلك فإنه يبينه له ويمنعه منه، وقد تبين في بعض الوقائع أنه ﷺ أطاعهم في بعض الأمور وكانت مصلحة للمسلمين، وكان فيها تأييد من الله.