تفسير قوله تعالى: (فضلاً من الله ونعمة والله عليم حكيم)
يقول الله: ﴿فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً﴾ [الحجرات: ٨].
ما الفرق بين الفضل والنعمة؟ الفضل هو: التفضل بما عندك على الغير، والله متفضل على عباده بكل النعم ﴿وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنِ اللَّهِ﴾ [النحل: ٥٣]، وبعض العلماء يتساءل: ما الفرق بين الفضل والنعم؟ فقالوا: أصل الفضل مأخوذ من الشيء الفاضل عند الإنسان وهو مستغنٍ عنه.
تقول: أعطني من فضلك.
أي: مما فضل عندك، وتقول: هذه فضلة طعام، هذا فضل ثياب.
أي: الشيء الزائد عندك وأنت مستغنٍ عنه.
فالفضل من جانب المولى سبحانه؛ لأن كل خزائنه بما فيها من الخير فضل زائد وهو في غنى عنه، فهو يعطي عباده مما هو فاضل عنده، والنعمة بالنسبة من جهة العبد؛ لأن النعمة ما ينعم به الله لبعض خلقه لسد حاجته، فالعطاء واحد وهو من جانب الله فضل؛ لأنه موجود بكثرة ومستغنٍ عنه، ومن جانب العبد نعمة؛ لأنه به يسد حاجته ويستغني بما تفضل الله به عليه، وبهذا ﴿فَضْلًا مِنَ اللَّهِ﴾ [الحجرات: ٨].
أي: زيادة فيما أعطاه وزيادة في خزائنه مما هو مستغنٍ عنه، ﴿وَنِعْمَةً﴾ [الحجرات: ٨] ؛ لأنه به ينعم عليكم وتكون حياتكم ناعمة وليست بخشنة.
﴿وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [الحجرات: ٨]، قالوا: (عليم حكيم) راجعة إلى كل ما تقدم في كل تصرفاته، وقالوا: لهذا الأخير (الفضل والنعمة) فهو عليم بما في خزائنه من واسع فضله، فيتفضل بما شاء.
(حكيم) لما يختار من عباده من يعطيه نعمه، فيعطي كل إنسان من نعمه سبحانه ما يلائم حاله، فهو سبحانه وتعالى يعطي كل إنسان بحكمة فيما تكون فيه مصلحته، ولذا قال: ﴿وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ﴾ [الشورى: ٢٧].
فكذلك هنا (عليم) بما فيه خزائنه من واسع فضله، وحكيم فيما يعطي من هذا الفضل من النعم لعباده بقدر ما يصلحهم، ﴿إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى﴾ [العلق: ٦-٧]، وفي الحديث أيضاً: (إن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى ولو أفقرته لفسد حاله، وإن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر ولو أغنيته لفسد حاله).
إذاً: عليم: بما في خزائنه من واسع فضله وخيراته، حكيم: حيث يعطي من هذا الفضل للعباد بقدر ما يصلحهم.


الصفحة التالية
Icon