تفسير قوله تعالى: (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا... )
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم: ﴿وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ [الحجرات: ٩-١٠].
لاحظوا هذا الترتيب والنسق في آيات السورة الكريمة، وهكذا في جميع السور، لكنه قد يظهر قريباً لبعض الناس، وقد يخفى ولا يظهر إلا للخواص، لما نبه سبحانه وتعالى على وجوب التبين والتحفظ من نبأ الفاسق، وحذر أن تصيبوا قوماً بجهالة، فمعنى ذلك: قد يأتي الفاسق بنبأ ونسمعه، ولو لم يكن في حق رسول الله أو في حياة رسول الله، وليس عندنا من يبين لنا حقيقة كذبه، لكن في الوقت الحاضر الآن لو جاءنا فاسق بنبأ ولم نتبين ما الذي سيترتب على مجيء الفاسق بالنبأ، ﴿أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا﴾ [الحجرات: ٦].
إذاً: من المتوقع ومن الترتيب الطبيعي أن الفاسق إذا جاء إلى قوم بنبأ كذب على قوم آخرين، وجاء بنميمة وجاء بأخبار كاذبة وقال: إنهم يقولون فيكم كذا، إنهم يعدون إليكم كذا، إنهم سيوقعون بكم كذا وكذا، ما الذي سيفعله من جاءهم هذا النبأ؟ سيتهيئون إليهم وربما بادروهم بسوء.
إذاً: لما حذر المولى سبحانه من قبول خبر الفاسق الواجب أن نتحرز ونتبين إذا قصرنا، فإذا سارع قوم بأخذ نبأ الفاسق ما الذي سيكون؟ سيقع القتال والفتنة، ولذا جاء بهذه الآية الكريمة كأنها بيان لما عساه أن يقع بالمخالفة وعدم التبين والمسارعة بأخذ خبر الفاسق، فيقع مضرة على هؤلاء الناس، ويقع القتال بين فريقين: فريق نقل عنه نبأ فاسد وفريق ألقي إليه نبأ فاسق، فكان سبباً في قتال الفريقين.
فيكون هذا العلاج: ﴿وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا﴾ [الحجرات: ٩]، فكأنه يقول: وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا بسبب نبأ فاسق جاءهم يكون الحكم: تداركوا الأمر، وأصلحوا بينهم، ولا تتركوهم على ما هم عليه، وإن كانوا فرطوا في عدم التثبت لا تفرطوا أنتم في عدم الإصلاح، وهذا ترتيب في غاية الإعجاز والقوة.


الصفحة التالية
Icon