بعد أن بينت الآيات الكريمة جانبا من صفات الله – عز وجل- الدالة على وحدانيته، وقدرته، وعزته، وحكمته، وعلمه المحيط بكل شيء، ذكر – سبحانه- بعد ذلك ألوانا أخرى من الأدلة التي تدل على وحدانيته تعالى وقدرته.
تحليل المفردات والتراكيب
قوله تعالى:﴿ {هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ﴾ أصل ستة(١) سدسة، أرادوا إدغام الدال في السين، فالتقيا عند مخرج التاء، فغلبت عليهما،
وإ ن شئت قلت : أبدل من إحدى السينين تاء وأدغم في الدال، لأنك تقول في تصغيرها : سدسية، وفي الجمع: أسداس، والجمع والتصغير يردان الأسماء إلى أصولها، ويقولون : جاء فلان سادسا وسادتا وساتا فمن قال سادتا أبدل من السين تاء،
واليوم: من طلوع الشمس إلى غروبها، فإن لم يكن شمس فلا يوم، قاله القشيري، وقال معنى في ستة أيام: أي من أيام الآخرة، كل يوم ألف سنة، لتفخيم خلق السماوات والأرض، وقيل من أيام الدنيا، قال مجاهد وغيره: أولهما: الأحد، وآخرهما: الجمعة، وذكر هذه المدة، ولو أراد خلقها في لحظة لفعل، إذ هو القادر على أن يقول لها : كوني فتكون، ولكنه أراد أن يعلم العباد الرفق والتثبت في الأمور، ولتظهر قدرته للملائكة شيئا بعد شيء، وهذا عند من يقول: خلق الملائكة قبل خلق السماوات والأرض، وحكمة أخرى: خلقها في ستة أيام، لأن لكل شيء عنده أجلا، وبين بهذا ترك معالجة العصاة بالعقاب، لأن لكل شيء عنده أجلا،
وهذا كقوله:﴿ ولقد خلقنا السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب فاصبر على ما يقولون...﴾ بعد أن قال :﴿ وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أشد منهم بطشا...﴾.
وقد اختلف المفسرون في مقدار هذه الستة الأيام على قولين(٢)
فالجمهور: على أنها كأيامنا هذه،
وعن ابن عباس، ومجاهد، والضحاك، وكعب الأحبار، إن كل يوم منها كألف سنة مما تعدون، رواهن ابن جرير وابن أبي حاتم واختار هذا القول الإمام أحمد ابن حنبل في كتابه الذي رد فيه على الجهمية وابن جرير وطائفة من المتأخرين والله أعلم.
وروى ابن جرير عن الضحاك بن مزاحم وغيره : أن أسماء الأيام الستة، أبجد هوز حطي كلمن سعفص قرشت.
وحكى ابن جرير في أول الأيام ثلاثة أقوال تروى عن محمد بن إسحاق أنه قال: يقول أهل التوراة: ابتدأ الله الخلق يوم الأحد، ويقول أهل الإنجيل: ابتدأ الله الخلق يوم الاثنين.
(٢) البداية والنهاية، للحافظ ابن كثير: ١/١٥.