وتصوير لعدم خروجهم عنه أينما كانوا، وقيل المعية مجاز مرسل عن العلم بعلاقة السببية، والقرينة السباق واللحاق، مع استحالة الحقيقة، وقد أول السلف هذه الآية بذلك،
أخرج البيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس أنه قال فيها : عالم بكم أينما كنتم.
وفي البحر: أنه اجتمعت الأمة على هذا التأويل فيها، وأنها لا تحمل على ظاهرها من المعية بالذات، وهي حجة على منع التأويل في غيرها، مما يجري مجراها في استحالة الحمل على الظاهر، وقد تأول هذه الآية، وتأول الحجر الأسود يمين الله تعالى في الأرض، ولو اتسع عقله لتأول غير ذلك مما هو في معناه انتهى.
وأنت تعلم: أن الأسلم ترك التأويل، فإنه قول على الله- تعالى - من غير علم ولا تؤول إلا ما أوله السلف ونتبعهم فيما كانوا عليه، فإن أولوا أولنا، وإن فوضوا فوضنا، وقد رأيت بعض الزنادقة الخارجين من ربقة الإسلام يضحكون من هذه الآية مع قوله تعالى :﴿ ثم استوى على العرش ﴾ ويسخرون من القرآن الكريم لذلك وهو جهل فظيع وكفر شنيع نسأل الله تعالى العصمة والتوفيق.(١)
﴿ والله بما تعملون بصير﴾ لا يخفي عليه من أعمالكم شيء.
عبارة عن إحاطته بأعمالهم، وتأخير صفة العلم الذي هو من صفات الذات، عن الخلق الذي هو من صفات الأفعال، مع أن صفات الذات متقدمة على صفات الأفعال، لما أن المراد: الإشارة إلى ما يدور عليه الجزاء من العلم التابع للمعلوم، وقيل: إن الخلق دليل العلم، إذ يستدل بخلقه تعالى وإيجاده سبحانه لمصنوعاته المتقنة على أنه - عز وجل- عالم ومن شأن المدلول التأخر عن الدليل لتوقفه عليه(٢).
﴿ له ملك السموات والأرض ﴾ هذا التكرير للتأكيد، وتمهيد لقوله سبحانه المشعر بالإعادة ﴿ وإلى الله ترجع الأمور﴾ أي إليه تعالى وحده لا إلى غيره سبحانه استقلالا أو اشتراكا ترجع جميع الأمور أعراضها وجواهرها.
قرأ الجمهور:﴿ ترجع﴾ مبنيا للمفعول، وقرأ حمزة، والكسائي، وابن عامر: على البناء للفاعل:
﴿يولج الليل في النهار﴾أى يدخل الليل في النهار، بان ينقص من الليل، ويزيد من النهار.
﴿ وهو عليم بذات الصدور ﴾ أي بضمائر الصدور ومكنوناتها لا تخفي عليه خافية في الأرض ولا في السماء، ومن كان بهذه الصفة فلا يجوز أن يعبد سواه.
والمراد: أن الله- تعالى - وصف نفسه بالمعية وبالقرب.
(٢) المصدر السابق، ونفس الجزء والصفحة.