﴿هو الذي ينزل على عبده آيات بينات ﴾أي واضحات ظاهرات، وهي الآيات القرآنية وقيل المعجزات، والقرآن أعظمها، والمراد بالعبد: محمد- صلى الله عليه وسلم-
﴿ ليخرجكم من الظلمات إلى النور﴾ أي ليخرجكم الله بتلك الآيات من ظلمات الشرك إلى نور الإيمان، أو ليخرجكم الرسول بتلك الآيات أو بالدعوة.
﴿ وإن الله بكم لرءوف رحيم﴾ أي لكثير الرأفة والرحمة، بليغهما حيث أنزل كتبه وبعث رسله لهداية عباده، فلا رأفة ولا رحمة أبلغ من هذه.
﴿وما لكم ألا تنفقوا في سبيل الله ﴾الاستفهام هنا للتقريع والتوبيخ.
وفي هذه الآية: دليل على أن الإنفاق المأمور به في قوله ﴿وانفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه﴾هو الإنفاق في سبسيل الله، والمعنى أي عذر لكم وأي شيء يمنعكم من ذلك ؟ وقيل إن( أن) زائدة، وجملة ﴿ولله ميراث السموات والأرض ﴾ في محل نصب على الحال من فاعل ﴿ ألا تنفقوا ﴾أو من مفعوله والمعنى : أي شيء يمنعكم من الإنفاق في ذلك الوجه، والحال أن كل ما في السموات والأرض راجع إلى الله سبحانه بانقراض العالم كرجوع الميراث إلى الوارث، ولا يبقى لهم منه شيء، وهذا أدخل في التوبيخ وأكمل في التقريع، فإن كون تلك الأموال تخرج عن أهلها وتصير إلى الله سبحانه، ولا يبقى أحد من مالكيها، أقوى في إيجاب الإنفاق عليهم من كونها لله في الحقيقة وهم خلفاؤه في التصرف فيها.(١)
قوله تعالى:﴿ لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل﴾أكثر المفسرين على أن المراد بالفتح: فتح مكة، وقال الشعبي والزهري : فتح الحديبية،
قال قتادة: كان قتالان أحدهما أفضل من الآخر، ونفقتان إحداهما أفضل من الأخرى، كان القتال والنفقة قبل فتح مكة أفضل من القتال والنفقة بعد ذلك، وفي الكلام حذف والتقدير لا يستوي من أنفق من قبل الفتح وقاتل ومن أنفق من بعد الفتح وقاتل فحذف لظهوره ولدلالة ما سيأتي عليه وإنما كانت النفقة والقتال قبل الفتح أفضل من النفقة والقتال بعد الفتح لأن حاجة الناس كانت إذ ذاك أكثر وهم أقل وأضعف وتقديم الإنفاق على القتال للإيذان بفضيلة الإنفاق لما كانوا عليه من الحاجة فإنهم كانوا يجودون بأنفسهم ولا يجدون ما يجدون به من الأموال والجود بالنفس أقصى غاية الجود(٢)

(١) فتح القدير ج: ٥ ص: ١٦٧و١٦٨
(٢) تفسير القرطبي ج: ١٧ ص: ٢٤٠ وفتح القدير ج: ٥ ص: ١٦٨


الصفحة التالية
Icon