وعطف القتال على الإنفاق للإيذان بأنه من أهم مواد الإنفاق مع كونه في نفسه من أفضل العبادات، وأنه لا يخلو من الإنفاق أصلا، وقسيم من أنفق محذوف أي لا يستوي ذلك وغيره، وحذف لظهوره ودلالة ما بعد عليه.(١)
والإشارة بقوله :﴿ أولئك ﴾إلى من باعتبار معناها، وهو مبتدأ، وخبره ﴿أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا﴾أي أرفع منزلة وأعلا رتبة من الذين أنفقوا أموالهم في سبيل الله من بعد الفتح وقاتلوا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال عطاء: درجات الجنة تتفاضل: فالذين أنفقوا من قبل الفتح في أفضلها، قال الزجاج : لأن المتقدمين نالهم من المشقة أكثر مما نال من بعدهم، وكانت بصائرهم أيضا أنفذ،
قرأ الجمهور:﴿ وكلا﴾ بالنصب، على أنه مفعول به للفعل المتأخر، وقرأ ابن عامر بالرفع على الابتداء، والجملة بعده خبره، والعائد محذوف، أو على أنه خبر مبتدأ محذوف.(٢)
﴿ والله بما تعملون خبير﴾لا يخفى عليه من ذلك شيء.
﴿وكلا﴾ مفعول أول لوعد، و﴿ الحسنى ﴾مفعول ثان.
وقوله تعالى:﴿من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا ﴾ ندب بليغ من الله تعالى إلى الإنفاق في سبيله، مؤكد للأمر السابق به، وللتوبيخ على تركه، فالاستفهام ليس على حقيقته، بل للحث، والقرض الحسن : هوا لإنفاق بالإخلاص، وتحري أكرم المال، وأفضل الجهات،
وذكر بعضهم أن القرض الحسن هو ما يجمع عشر صفات:
أن يكون من الحلال، فإن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبا.
٢- وأن يكون من أكرم ما يملكه المرء.
٣- وأن يكون المرء صحيح شحيح، يأمل العيش ويخشى الفقر.
٤- وأن يضعه في الأحوج الأولى.
٥- وأن يكتم ذلك، وأن لا يتبعه بالمن والأذى.
٦- وأن يقصد به وجه الله تعالى.
٧- وأن يستحقر ما يعطي و إن كثر.
٨- وأن يكون من أحب أمواله إليه.
٩- وأن يتوخى في إيصاله للفقير ما هو أسر لديه من الوجوه كحمله إلى بيته.
١٠- ولا يخفى أنه يمكن الزيادة والنقص فيما ذكر
وأيا ما كان، فالكلام إما على التجوز في الفعل فيكون استعارة تبعية تصريحية أو التجوز في مجموع الجملة استعارة تمثيلية وهو الأبلغ أي من ذا الذي ينفق ما له في سبيل الله تعالى مخلصا متحريا أكرمه وأفضل الجهات رجاء أن يعوضه سبحانه بدله كمن يقرضه، فيضاعفه له، فيعطيه أجره على إنفاقه مضاعفا أضعافا كثيرة من فضله.
(٢) فتح القدير ج: ٥ ص: ١٦٨